هذين الصنفين: المؤمنين، والذين لا يجدُونَح فيكون «الَّذِينَ لا يجدون» مطَّوِّعين غير مؤمنين.
وقال أبُو البقاءِ:«فِي الصَّدقاتِ» متعلقٌ ب «يَلمِزُونَ» ، ولا يتعلَّق ب «المُطَّوِّعينَ» لئلَاّ يفصل بينهما بأجنبي. وهذا فيه نظر؛ إذ قوله «مِنَ المؤمنينَ» حال، والحالُ ليست بأجنبيّ، وإنَّما يظهر في ردِّ ذلك أن «يطَّوَّع» إنَّما يتعدى بالياءِ، لا ب «في» وكون «في» بمعنى «الباء» خلاف الأصل. وقيل:«فَيَسْخَرُونَ» خبرُ المبتدأ ودخلتِ الفاءُ، لمَا تضمَّنهُ المبتدأ من معنى الشرط، وفي هذا الوجه بُعدٌ من حيثُ إنَّه يقرُب من كون الخبر في معنى المبتدأ فإنَّ من عاب إنساناً وغمزهُ علم أنَّهُ يسخرُ منه فيكون كقولهم:«سَيِّدُ الجاريةِ مالِكُهَا» .
الثالث: أن يكون محلُّه نصباً على الاشتغال، بإضمار فعل يُفسِّره «سَخِرَ اللهُ منهُم» من طريق المعنى، نحو: عاب الذين يلمزُون، سخر الله منهم.
الرابع: أنْ ينصب على الشتم.
الخامس: أن يكون مجروراً بدلاً من الضمير في «سِرَّهُم ونجْواهُمْ» .
وقرئ «يلْمُزون» بضم الميم، وقد تقدَّم أنَّها لغة، وقرأ الجمهور «جُهْدَهم» بضمِّ الجيمِ.
وقرأ ابنُ هرمز وجماعة «جَهْدهم» بالفتح. فقيل: لغتان بمعنى واحد. وقيل المفتوحُ المشقَّةُ والمضمومُ: الطَّاقةُ، قالهُ القتيبيُّ، وقيل: المضمومُ شيءٌ قيلٌ يعاشُ به والمفتوحُ: العملُ.
وقوله:{سَخِرَ الله مِنْهُمْ} يحتملُ أن يكون خبراً محضاً، وأن يكون دعاءً.
فصل
اعلم أنَّ هذا نوع آخر من أعمالهم القبيحة، وهو لمزهم من يأتي بالصَّدقاتِ.
قال المفسِّرون: حثَّ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على الصَّدقةِ؛ فجاء عبدُ الرحمن بنُ عوفٍ بأربعة آلافِ درهم، فقال: يا رسول الله، مالي ثمانية آلاف درهم، جئتك بأربعة آلاف فاجعلها في سبيل الله، وأمسكتُ أربعة آلاف لعيالي.
فقال رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيمَا أعْطيْتَ، وفيمَا أمْسَكْتَ» فبارك اللهُ في مال عبد الرحمن، حتَّى إنَّهُ خلف امرأتين يوم أن مات؛ فبلغ ثمنُ ماله لهما مائة وستون ألفاً وتصدق يومئذ عاصمُ بن عدي العجلاني بمائة وسْقٍ من تمر.