للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم} الآية.

» مِنْهُم «صفةٌ ل» أحَدٍ «، وكذلك الجملة من قوله:» مَاتَ «، في موضع جر أيضاً كأنه قيل: على أحدٍ منهم ميت، ويجوزُ أن يكون» مِنْهُم «حالاً من الضَّمير في» مَاتَ «أي: مات حال كونه منهم، أي: مُتَّصِفاً بصفة النِّفاقِ، كقولهم: أنت مني، يعني: على طريقتي و» أبَداً «ظرف منصوب بالنهي، وهذا الظَّرفُ متعلق ب» أحَد «، والتقدير: ولا تصل أبداً على أحدٍ منهم.

فصل

اعلم أنَّهُ تعالى أمر رسوله أن يُهينَهُم، ويذلهم، بمنعهم من الخروج معه إلى الغزوات ثمَّ منعه في هذه الآية من أن يُصلي على من مات منهم. روى ابنُ عبَّاسٍ: أنَّه مات، ويقوم على قبره، ثمَّ إنه أرسل إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وطلب منه قميصه، ليكفن فيه؛ فأرسل إليه القميص الفوقاني، فردَّه، وطلب الذي يلي جلده ليكفَّن فيه، فقال عمرُ: لِمَ تُعطِي قميصَك للرجس النَّجس؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «إنَّ قميصِي لا يُغْنِي عنهُ مِنَ اللهِ شيئاً، ولعلَّ اللهَ أن يُدخلَ بِه ألفاً في الإسلام» وكان المنافقون لا يفارقون عبد الله؛ فلمَّا رأوه يطلبُ القميص، ويرجو أن ينفعه، أسلم منهم يومئذ ألفٌ.

فلمَّا مات جاء ابنُهُ يعرفه، فقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لابنه: «صَلِّ عليْهِ واذْفِنْهُ» ، فقال: إن لم تُصل عليه يا رسول الله لم يُصَلّ عليه مسلمٌ، فقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ليصلِّي عليه؛ فجاء عمر فقام بين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وبين القبلة؛ لئلَاّ يصلي عليه، فنزلت الآية وأخذ عمر بثوبه وقال: {وَلَا تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً} ، وهذا يدلُّ على منقبة عظيمة من مناقب عمر؛ وذلك لأنَّ الوَحْيَ نزل على وَفْق قوله في آيات كثيرة منها: آية أخذ الفداء عن أسارى بدر كما سبق، ومنها: «آية تحريم الخمر» [المائدة: ٩٠] ، ومنها: «آية تحويل القبلة» [البقرة: ١٤٢] ، ومنها: آية أمر النِّساء بالحجاب، وهذه الآية؛ فصار نزول الوحي على مطابقة قول عمر منصباً عالياً، ودرجة رفيعة في الدِّين، ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لوْ لَمْ أبْعَثْ لبعثتَ يا عمر نبيّاً» .

قال القرطبيُّ: إن قال قَائِلٌ، كيف قال له عمر: أتصلي عيه، وقد نهاكَ اللهُ أنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>