للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال تعالى: {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} فقوله «مِنْ سبيلٍ» فاعلٌ بالجار قبله لاعتماده على النَّفْي، ويجوز أن يكون مبتدأ، والجار قبله خبره. وعلى كلا القولين ف «مِنْ» مزيدةٌ فيه، أي: ما على المحسنين سبيل. والمعنى: أنَّهُ لا إثم عليه بسبب القعود عن الجهاد.

{والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . قال قتادةُ: نزلت في عائذ بن عمرو وأصحابه. وقال الضحاكُ نزلت هذه الآية في عبد الله ابن أم مكتوم، وكان ضريراً.

فصل

قال بعضهم: في هذه الآية نوعٌ من البديع، يُسمَّى التلميح، وهو أن يشارَ إلى قصةٍ مشهورةٍ، أو مثل سائرٍ، أو شعرٍ نادرٍ، في فحوى كلامك من غير ذكره؛ ومنه قوله: [البسيط]

٢٨٢٩ - اليَوْمَ خَمْرٌ ويبْدُو في غدٍ خبرٌ ... والدَّهْرُ مِنْ بيْنِ إنعامٍ وإبْآسِ

يُشير إلى قول امرئ القيس لمَّا بلغه قتلُ أبيه: «اليوم خَمْرٌ، وغداً أمرٌ» .

وقول الآخر: [الطويل]

٢٨٣٠ - فواللهِ مَا أدْرِي أأحلامُ نَائِمٍ ... ألمَّتْ بِنَا أم كان في الرَّكْبِ يُوشَعُ؟

يشير إلى قصَّة يوشع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، واستيقانه الشَّمس.

وقول الآخر: [الطويل]

٢٨٣١ - لَعمرٌو مَعَ الرَّمضَاءِ والنَّارُ تَلتَظِي ... أرَقُّ وأحْفَى مِنْكَ في ساعةِ الكَرْبِ

أشار إلى البيت المشهور: [البسيط]

٢٨٣٢ - المُسْتجيرُ بعمْرٍو عندَ كُرْبتِهِ ... كالمُسْتَجيرِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بالنَّارِ

فكأنه قوله: {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} اشتهر ما هو بمعناه بين النَّاس؛ فأشار إليه من غير ذكر لفظه. ولمَّا ذكر أبو حيان التلميح لم يُقَيِّدَهُ بقوله: «من غير ذكره» . ولا بُدَّ منه لأنَّه إذا ذكره بلفظه كان اقتباساً وتضميناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>