أحدها: أنَّهُ مفعولٌ من أجله، والعاملُ فيه «تَفِيضُ» قاله أبو حيان. لا يقال: إنَّ الفاعل هنا قد اختلف، فإنَّ الفيض مسند للأعين، والحزنَ صادرٌ من أصحاب الأعين، وإذا اختلف الفاعل وجب جرُّه بالحرف؛ لأنَّا نقول: إنَّ الحزنَ يُسندُ للأعين أيضاً مجازاً، يقال: عين حزينةٌ وسخينةٌ، وعين مسرورةٌ وقريرة، في ضد ذلك. ويجوز أن يكون النَّاصب له «تولَّوا» ، وحينئذٍ يتَّحدُ فاعلا العلَّةِ والمعلولِ حقيقةً.
الثاني: أنَّهُ في محلِّ نصبٍ على الحال، أي: تولَّوا حزينين، أو تفيض أعينهم حزينةً، على ما تقدَّم من المجاز.
الثالث: أنه مصدر ناصبُه مقدرٌ من لفظه، أي: يحزنون حزناً، قاله أبو البقاء. وهذه الجملةُ التي قدَّرها ناصبة لهذا المصدر هي أيضاً في محلِّ نصبٍ على الحال، إمَّا من فاعل «تولَّوا» ، وإمَّا من فاعل «تَفِيضُ» .
قوله:«أَلَاّ يَجِدُوا» فيه وجهان:
أحدهما: أنَّهُ مفعولٌ من أجله، والعامل فيه «حزناً» إن أعربناه مفعولاً له، أو حالاً. وأمَّا إذا أعربناه مصدراً فلا؛ لأنَّ المصدر لا يعملُ إذا كان مؤكداً لعامله. وعلى القول بأنَّ «حَزَناً» مفعول من أجله، يكون «ألَاّ يَجِدُوا» علة العلة يعني أن يكون علَّل فيض الدَّمع بالحزن، وعلَّل الحزن بعدم وجدان النَّفقة، وهو واضحٌ وقد تقدَّم نظيرُ ذلك في قوله:{جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله}[المائدة: ٣٨] .
الثاني: أنه متعلق ب «تَفِيضُ» . قال أبو حيان: ولا يجوز ذلك على إعرابه «حَزَناً» مفعولاً له والعاملُ فيه «تفيضُ» ، إذ العاملُ لا يقتضي اثنين من المفعول له إلَاّ بالعطفِ، أو البدلِ.
فصل
قال المفسِّرون: هم سبعة نفر سموا البكائين، معقل بن يسار، وصخر بن خنساء وعبد الله بن كعب الأنصاري، وعلية بن زيد الأنصاري، وسالم بن عمير، وثعلبة بن غنمة، وعبد الله بن معقل المزني، أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقالوا: يا رسول الله: إنَّ الله ندبنا للخروج معك، فاحملنا. واختلفوا في قوله «لِتحْمِلهُم» قال ابنُ عبَّاس: سألوه أن يحملهم على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة ليغزوا معه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: