للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وسمَّاها أبُو البقاءِ «باء» المقابلةِ، كقولهم: «باء» العوض، و «باء» الثمنية. وقرأ عمرُ ابنُ الخطاب والأعمش «بِالجنَّةِ» . قال أهلُ المعاني: لا يجوزُ أن يشتري الله شيئاً في الحقيقة؛ لأنه مالك الكل، ولهذا قال الحسنُ: اشترى أنفساً هو خلقها، وأموالاً هو رزقها، وإنَّما ذكر اللهُ ذلك، لحسن التَّلُّطفِ في الدُّعاءِ إلى الطَّاعةِ؛ لأن المؤمنَ إذا قاتل في سبيل اللهِ حتى يقتل؛ فتذهب روحه، وينفق ماله في سبيل الله تعالى جزاؤه في الآخرة الجنَّة، فكان هذا استبدالاً وشراءً. قال الحسنُ: «والله بيعة رَابحةٌ، وكفةٌ راجحةٌ، بايع اللهُ بها كلَّ مُؤمِنٍ والله ما على الأرض مؤمن إلَاّ وقد دخل في هذه البيعة» .

وفيه لطيفةٌ، وهي أن المشتري لا بدَّ وأن يغاير البائع، وههنا البائعُ هو اللهُ تعالى، والمشتري هو الله، وهذا إنما يصحُّ في حقِّ القيم بأمر الطفل الذي لا يمكُنُه رعاية المصالح في البيع والشراء وصحَّة هذا البيع مشروطة برعاية الغبطة؛ فهذا جارٍ مجرى التَّنبيه على كون العبد كالطِّفلِ الذي لا يهتدي إلى رعاية مصالح نفسه؛ وأنَّهُ تعالى هو الرَّاعي لمصالحه بشرط الغبطةِ.

فصل

قال القرطبيُّ: «هذه الآية دليلٌ على جواز معاملة السيد مع عبده، وإن كان الكل للسَّيد، لكن إذا ملكه عامله فيما جعل إليه، وجاز بين السيد وعبده ما لا يجوزُ بينه وبين غيره؛ لأنَّ ماله له، وله انتزاعه» .

فصل

أصل الشراءِ من الخلق أن يعوضوا بما خرج من أيديهم ما كان أنفع لهم، أو مثل ما خرج عنهم في النفع، فاشترى الله من العباد إتلاف أنفسهم، وأموالهم في طاعته، وإهلاكها في مرضاته وأعطاهم الجنَّة عوضاً عنها إذا فعلوا ذلك، وهو عوض عظيمٌ لا يدانيه المعوض، فأجرى ذلك على مجرى ما يتعارفونه في البيع والشراء، فمن العبد تسليم النفس والمال، ومن الله الثَّواب والنَّوال فسمّي هذا شراء.

فصل

قال بعضُ العلماء: كما اشترى من المؤمنين البالغينَ المكلفين كذلك اشترى من الأطفال فآلمهم، وأسقمهم، لما في ذلك من المصلحة ومن الاعتبار للبالغين، فإنهم لا يكونُون عند شيءٍ أكثر صلاحاً، وأقل فساداً منهم عند ألم الأطفالِ، وما يحصلُ للوالدين من الثَّواب فيما ينالهم من الهم، ثم إنَّ الله تعالى يعوض هؤلاء الأطفال عوضاً إذا صارُوا إليه.

قوله: «يُقَاتِلُون» يجوز أن يكون مستأنفاً، ويجوز أن يكون حالاً. وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>