للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقُدَّامهم البحر، فإن توقّفوا أدركهم فرعون وأهلكهم، وإن ساروا أغرقوا، فلا خوف أعظم من ذلك، ثم إن الله تعالى نَجّاهم بغرق البحر، فلا نِعْمَةَ أعظم من ذلك، وإيضاً فإنهم شاهدوا هَلَاكَ أعدائهم، وأورثهم أرضهم وديارهم، وأموالهم، وخلّصهم من أيديهمنولو أنه تعالى خلّص موسى وقومه من تلك الحالة، وما أهلك فرعون لكان الخوف باقياً؛ لأنه رُبّما اجتمعوا واحتالوا على من أذاهم بحيلة، ولكن الله تعالى حَسَمَ عنهم مادة الخوف.

وأما نعم الدِّين فهي أن قوم موسى لما شَاهَدُوا تلك المُعْجزة الباهرة زالت عن قلوبهم الشُّكُوك والشُّبُهَات، فإنّ دلالة مثل هذا المعجز على وجود الصَّانع الحكيم، وعلى صدق موسى تُقَرِّب من العلم الضروري، فكأنه تعالى رفع عنهم تحمُّل النظر الدقيق، والاستدلال، وأيضاً لما عاينوا ذلك صار داعياً لقوم فرعون إلى ترك تكذيب موسى، والإقدام على تكذيب فرعون، وايضاً أنهم عرفوا أن الأمور بيد الله، وأنه لم يكن في الدنيا أكمل ما كان لفرعون، ولا شدّة أكثر مما كانت لبني إسرائيل، ثم إنّ الله تعالى في لحظة واحدة جعل العزيز ذليلاً، والذليل عزيزاً، وذلك يوجب انقطاع القَلْب عن عَلَائق الدُّنيا، والإقبال بالكليّة على خدمة الخالق، والتوكُّل عليه في كل الأمور.

فإن قيل: إن فرعون لما شاهد فَلْقَ البحر وكان عاقلاً فلا بد وأن يعلم أن ذلك من فعل قادرٍ عالمٍ مخالفٍ لسائر القادرين، فكيف بقي على الفكر؟

والجواب: لعلّه اعتقد أن ذلك أيضاً السحر، كما قال حين ألقى موسى عصاه، وأخرج يده.

يروى أن فرعون كان راكباً حصاناً، فلما أراد العُبُور في البحر خلف بني إسرائيل جَفل الحصان، فجاء جبريل على فَرَسٍ أنثى فتقدّمهم فتبعه الحصان، فلمّا اقتحموا البحر، وميكائيل خلفهم يَسوقهم حتى لم يَبْقَ منهم أحد، وخرج جبريل وهم أولهم بالخروج أمر الله البحر فالْتَطَمَ عليهم.

واعلم أن هنا لطائف:

أولها: أن كل نبي لأمّته نصيب مما أعطي نبيهم، فموسى عليه الصَّلاة السلام لما نُجِّي من الغَرَقِ حين ألقي في اليَمِّ، كذلك [نُجّيت] أمته من الغَرَقِ.

ثانيها: أن فرعون ادَّعى العلو والربوبية، فأغرق ونزل إلى الدَّرْك الأسفل.

ثالثها: أنه لما ذبح أبناءهم، والذبح هو إنْهَار الدم، أغرقه الله في النَّهر.

فصل في فضل يوم عاشوراء

روى مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما قدم «المدينة» ، فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «مَا هَذا اليوم الذي تَصُومُونَهُ» فقالوا: هذا يوم

<<  <  ج: ص:  >  >>