هو متعلِّق ب «كَانَ» النَّاقصة، وهذا على رأي مَنْ يُجيز فيها ذلك. وهذا مرتَّبٌ على الخلاف في دلالة «كان» النَّاقصة على الحدث، فإن قلنا: إنَّها تدلُّ على ذلك فيجُوزُ وإلَاّ فلا. وقيل: هو متعلِّقٌ بمحذوفٍ على التَّبيين، والتقدير في الآية: أكان إيحاؤنا إلى رجُلٍ منهم عجباً لهم. و «منهم» صفة ل «رجُل» .
وقرأ رُؤبة «رَجْل» بسكون الجيم، وهي لغة تميم، يُسَكِّنُون «فَعُلاً» نحو: سبع وعضد.
وقرأ عبد الله بن مسعود «عَجَبٌ» . وفيه تخريجان، أظهرهما: أنَّها التَّامة، أي: أحدث للنَّاس عجب و «أنْ أوْحَيْنَا» متعلِّق ب «عجب» على حذف لامِ العلَّة، أي: عجبٌ ل «أنْ أوْحَيْنَا» ، أو يكون على حذف «مِنْ» ، أي: مِنْ أنْ أوحينا. والثاني: أن تكون الناقصة، ويكون قد جعل اسمها النَّكرة وخبرها المعرفة، على حدِّ قوله:[الوافر]
وقال الزمخشري: والأجودُ أن تكون التَّامة، و «أنْ أوحَيْنَا» : بدلٌ من «عَجَبٌ» . يعني به بدل اشتمال أو كل من كل، لأنه جعل هذا نفس العجب مبالغة، والتخريج الثاني لابن عطيَّة.
فصل
التعجُّب: حالة تعتري الإنسان من رؤية شيء على خلاف العادة، وسبب نزول هذه الآية: أنَّ الله - تعالى - لمَّا بعث محمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رسولاً، تعجَّب كفار قريش وقالوا: إنَّ الله أعظم من أن يكون رسُوله بشراً، فأنكر الله عليهم ذلك التعجُّب، أما بيان تعجُّبهم من تخصيص محمَّدٍ بالرسالة فمن وجوه:
الأول: قوله تعالى: {وعجبوا أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ}[ص: ٤] إلى قوله: {إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: ٥] .
والثاني: أن أهل مكَّة كانوا يقولون: إنَّ الله تعالى ما وجد رسُولاً إلى خلقه إلا يتيم أبي طالب.
والثالث: أنهم قالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ}[الزخرف: ٣١] ؛ فأنرك الله عليهم هذا التعجُّب بقوله {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ} فلفظه استفهام؛ ومعناه الإنكار لأنْ يكون ذلك عجباً، والمراد ب «النَّاس» : أهل مكة، والألف فيه للتوبيخ.
فإن قيل: لِمَ لَمْ يقل: أكان عند الناس عجباً، بل قال:{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً} ؟ .