قال شهابُ الدِّين: نعم لم يرفع «وَعْد» ، و «حَقّ» معاً أحد، وأمَّا رفعُ «حَقٌّ» وحده فقط تقدَّم أن ابن أبي عبلة قرأه، وتقدَّم توجيهه، ولا يجوز أن يكون «وعْد الله» عاملاً في «أنَّه» لأنه قد وُصِفَ بقوله «حَقّاً» قاله أبو الفتح، وقرىء «وعَدَ اللهُ» بلفظ الفعل الماضي ورفع الجلالة فاعلةً، وعلى هذه يكون «إنَّه يَبْدأ» معمولاً له إنْ كان هذا القَارِىءُ يفتح «أنه» ، والجمهُور على يَبْدَأ بفتح الياء من بَدَأ، وابنُ أبي طلحة «يُبْدِىء» مِنْ أبْدَأ، وبَدَأ وأبْدَأ بمعنى واحد.
فصل
في هذه الآية إضمار، تقديره: إنَّه يبدأ الخلق؛ ليأمرهم بالعبادة، ثم يُميتُهُم ثم يعيدهم، كقوله في البقرة:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[البقرة: ٢٨] .
إلَاّ أنَّه - تعالى - حذف ذكر الأمر بالعبادة ههنا؛ لأنَّه - تعالى - قال من قبله {ذلكم الله رَبُّكُمْ فاعبدوه} وحذف ذكر الإماتة، لأنَّ ذكر الإعادة يدلُّ عليها. وهذه الآية تدلُّ على أنَّه تعالى يعيد جميع المخلوقات، وإعادتها لا يمكن إلَاّ بعد إعدامها، وإلا لزم إيجاد الموجود وهو محالٌ، ونظيره قوله تعالى:{يَوْمَ نَطْوِي السمآء كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ}[الأنبياء: ١٠٤] فحكم بأنَّ الإعادة تكون مثل الابتداء.
قوله:«ليَجْزِي» متعلِّق بقوله «ثُمَّ يُعِيدُهُ» ، و «بالقِسْطِ» متعلقٌ ب «يَجْزِيَ» ويجوز أن يكون حالاً: إمَّا من الفاعل أو المفعول، أي: يَجْزيهُم مُلْتَبِساً بالقِسْطِ أو ملتبسين به، والقِسْطُ: العدل.
فصل
قال الكعبيُّ:«اللَاّم في قوله» ليَجْزِيَ الذينَ آمَنُوا «تدل على أنَّه تعالى خلق العباد للثواب والرحمة، وأيضاً فإنَّه أدخل» لام «التعليل على الثواب، ولم يدخلها على العقاب، بل قال:{والذين كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ} فدل على أنَّه خلق الخلق للرَّحمةِ لا للعقاب، وذلك يدلُّ على أنَّه - تعالى - ما أراد منهم الكفر، ولم يخلق الكفر فيهم» .
والجواب: أنَّ لامَ التعليل في أفعال الله - تعالى - محالٌ؛ لأنه - تعالى - لو فعل فعلاً لعلَّةٍ لكانت تلك العِلَّة، إن كانت قديمة لزم قدم الفعل، وإن كانت حادثة فيلزم التسلسل، وهو محال.