وقال القرطبي: قال العلماء: التَّعجيلُ من الله، والاستعجال من العبدِ، وقال أبو عليّ: هُمَا من الله.
فصل
في كيفية النَّظم وجوه:
أحدها: قال ابن الخطيب: «إنَّه ابتدَأ السورة بذكر شُبُهَاتِ المنكرينَ للنُّبوَّة مع الجواب عنها:
فالشبهة الأولى: أنَّ القوم تعجَّبُوا من تخصيص الله محمداً بالنُّبوة، فأزال الله ذلك التعجُّب بقوله:{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ}[يونس: ٢] ، ثم ذكر دلائل التَّوحيد، ودلائل صحَّة المعاد.
وحاصل الجواب أن يقول: إنِّي ما جئتُكُم إلَاّ بالتوحيد، والإقرار بالمعاد، وقد دَلَّلنا على صحتهما، فلمْ يَبْقَ للتعجُّب من نبوَّتِي معنى.
والشبهة الثانية: أنَّهم كانوا يقولون: اللَّهُمَّ إن كان ما يقول محمدٌ حقاً في ادِّعاء النُّبوَّة والرٍِّسالة، فأمطر علينا حجارة من السَّماء، أو ائتِنَا بعذابٍ أليمٍ، فأجاب الله - تعالى - عن هذه الشبهة بهذه الآية.
وثانيها: قال القاضي:» لمَّا بيَّن الله - تعالى - الوعْد والوعِيدَ، أتبعهُ بما يدلُّ على أن من حقِّهما، أن يتأخَّرا عن ههذ الحياة الدُّنيويَّة؛ لأنَّ حصولهما في الدُّنيا، كالمانع من بقاءِ التَّكليف.
وثالثها: قال القفال: إنَّه لمَّا وصف الكفار بأنهم لا يرجون لقاء الله، ورضوا بالحياةِ الدُّنيا، واطمأنوا بها، وكانُوا عن آيات الله غافلين، بيَّن أنَّ من غفلتهم، أنَّ الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - متى أنذرهم استعجلوا العذاب جهلاً منهم وسفهاً.
فصل
أخبر - تعالى - في آيات كثيرة: أنَّ هؤلاء المشركين متى خُوفوا بنزول العذاب في الدُّنيا، استعجلوا ذلك العذاب، كقولهم:{اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال: ٣٢] ، وقوله تعالى:{سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}[المعارج: ١] الآية، ثم إنهم لما توعدوا بعذاب الآخرة في هذه الآية، بقوله {أولئك مَأْوَاهُمُ النار بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}[يونس: ٨] ، استعجلوا ذلك العذاب، وقالوا متى يحصل ذلك؟ كما قال - تعالى -: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا}
[الشورى: ١٨] ، وقال بعد هذه الآية، في هذه السورة:{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[يونس: ٤٨] ؛ إلى قوله {الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}[يونس: ٥١] وقال - تعالى - في