للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحدها: أنها تدلّ على أن أمّة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خير الأمم؛ لأن أولئك اليهود مع مُشَاهدتهم تلك البَرَاهين البَاهِرَة اغْتَرُّوا بهذه الشبهة الرَّكيكة، وأمّا أمة محمد عليه السلام فإنهم مع أنهم محتاجون في ثبوت كون القُرْآن معجزاً إلى الدَّلائل الدقيقة لم يَغْتَرُّوا بالشُّبُهَات العظيمة، وذلك يدلُّ على أنهم أكمل عَقْلاً، وأدعى خاطراً من اليهود.

وثانيها: فيه تحذير عظيم من التقليد والجَهْل بالدلائل، فإن هؤلاء الأقوام لو عرفوا الله بالدَّليل معرفة تامّة لما وقعوا في شبهة السامري.

وثالثها: تسلية النبي صلى الله علي وسلم عما كان شَاهَدَ من مشركي العرب، واليهود، والنَّصارى من الخلاف، فكأنه تعالى أمره بالصَّبْرِ على ذلك كما صَبَرَ مُوسَى عليه السلام في هذه الواقعة المنكرة، فإنهم بعد أن خلّصهم الله تعالى من فرعون، وأراهم المعجزات العجيبة من أوّل ظهور مُوسَى إلى ذلك الوقت، اغْتَرُّوا بتلك الشبهة الرّكيكة، وأن موسى عليه السلام صبر على ذلك، فَلأَنْ يصبر محمد عليه السلام على أّذِيَّةِ قومه أولى.

ورابعها: أن اشدّ الناس مجادلةّ وعداوة مع الرسول هم اليهود، فكأنه تعالى قال: إن هؤلاء يفتخرون بأسلافهم، ثم إن أسلافهم كاانوا في البَلَادَةِ، والجهالة، والغباوة إلى هذا الحد بحيث إن أشدّ الأشياء بَلَادَة، وجهالة، وغباوة، هم البقر، فجعلوه إلهاً، فكيف هؤلاء الأخلاف.

فصل

في تفسير الظّلم وجهان:

الأول: قال فيه أبو مسلم الظُّلم في أصل اللغة من النقص قال تعالى:

{كِلْتَا الجنتين آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمِ مِّنْهُ شَيْئاً} [الكهف: ٣٣] .

والمعنى: أنهم تكروا عبادة الخلاّق المحيي المميت، واشتغلوا بعبادة العِجْلِ، فقد صاروا ناقصين في خيرين: الدين والدنيا.

والثّاني: أن الظلم في العرف عبارة عن الضرر الخالي عن نفع يزيد عليه، ودفع مضرّة أعظم منه، والاسْتِحْقَاقُ غير العرفي علمه أو ظنّه، فإذا كان بهذه الصفة كان فاعلاً ظلماً، ثم إن الرجل إذا فعل ما يؤدّيه إلى العقاب والنار، قيل: «إنه ظالم لنفسه» ، وإن كان في الحال نفعاً ولذّة كما قال: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] .

وقال: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} [فاطر: ٣٢] ولمّا كانت عبادتهم لغير الله ظُلماً ومؤدّياً إلى عذاب النار سُمّي ظلماً.

فصل في ردّ شبهة للمعتزلة

استدّلت المعتزلة بهذه الآية على أنّ المعاصي ليست بخلق الله من وجوه:

<<  <  ج: ص:  >  >>