للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وأظهروه؛ لقوله - تعالى -: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون: ١٠٦] .

الثالث: أنَّهم أسرُّوا النَّدامة؛ لأنَّهم أخلصُوا لله في تلك الندامة، ومن أخلص في الدعاء أسرَّهُ، وفيه تهكُّمٌ بهم وبإخلاصهم، أي: أنَّهم إنَّما أتوا بهذا الإخلاص في غير وقته.

ومن فسَّر الإسرار بالإظهار، فإنَّهم إنَّما أخفُوا النَّدامة على الكفر والفسق في الدُّنيا؛ لأجْلِ حفظ الرِّياسة، وفي القيامة يبطل هذا الغرض؛ فوجب الإظهار.

قوله «وَقُضِيَ» يجوزُ أن يكون مستأنفاً، وهو الظاهر، ويجوز أن يكون معطوفاً على «رَأوْا» فيكون داخلاً في حيَّز «لمَّا» والضَّميرُ في «بينهُم» يعودُ على «كُلِّ نفسٍ» في المعنى، وقال الزمخشري: «بين الظَّالمين والمظلومين، دلَّ على ذلك ذكرُ الظُّلْمِ» .

وقيل: يعود على الرؤساء والأتباع، و «بِالقِسْطِ» يجوز أن تكون الباءُ للمصاحبةِ، وأن تكون للآلة، وقوله: «وإليه تُرْجعُون» قدَّم الجارَّ للاختصاص، أي: إليه لا إلى غيره ترجعُون؛ ولأجْل الفواصل، وقرأ العامَّةُ: «تُرجعُون» بالخطاب، وقرأ الحسن، وعيسى بن عمر: «يُرْجعُون» بياء الغيبة.

قوله تعالى: {ألاا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض} [يونس: ٦٦] .

قيل: تعلُّق هذه الآية بما قبلها، هو أنَّه - تعالى - لمَّا قال: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأرض لَافْتَدَتْ بِهِ} قال ههنا: ليس للظَّالم شيء يفتدى به؛ فإنَّ الأشياء كلَّها ملكُ الله.

وقيل: إنَّه - تعالى - لمَّا قال: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} ثم قال لهُ: {قُلْ إِي وربي إِنَّهُ لَحَقٌّ} أتبعهُ بهذا البرهان القاطع على إثبات الإله القادر الحكيم، وهو قوله: {ألاا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات وَمَنْ فِي الأرض} [يونس: ٦٦] فدلَّ على أنَّ ما سواه فهو مِلْكُه ومُلْكُه، ولم يذكر الدَّليل على ذلك؛ لأنَّه قد استقصى تقريرهُ في أول السورة، في قوله: {إِنَّ فِي اختلاف الليل والنهار} [يونس: ٦] الآية، وقوله: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً} [يونس: ٥] فاكتفى بذكره هناك، وإذا كان الأمر كذلك، كان قادراً على كلِّ المُمْكناتِ، عالماً بكلِّ المعلومات، غنيّاً عن جميع الحاجات، فيكون قادراً على صحَّة الميعاد، وعلى إنزال العذاب على الكُفَّار في الدُّنيا والآخرة، وعلى إيصال الرَّحْمَة للأولياء في الدُّنيا والآخرة، ويكُون قادراً على تأييدِ رسوله بالدَّلائل القاطعة، والمعجزات الباهرة، وكان كل ما وعد به، فهو حقٌّ لا بُدَّ وأن يقع، وأنَّه منزَّهٌ عن الخلف في وعده، فلمَّا أخبر عن نُزول العذاب بهؤلاء الكُفَّار، وبحصول الحشر والنشر، وجب القطع بوقوعه، فثبت بهذا البيان أن قوله: {ألاا إِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} يوجب الجزم بصحَّة قوله: {أَلَا إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} ثم قال: {ولكن أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أي: غافلُون عن هذه الدَّلائل، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>