قال الزمخشري:«ويجوز أن تكون الهمزةُ للإنكارِ، و» أمْ «منقطعةٌ بمعنى: بل أتَفْتَرُونَ على الله، تقريراً للافتراء» والظَّاهرُ هو الأولُ؛ إذ المعادلةُ بين الجملتين اللتين بمعنى المفرد واضحةٌ، إذ التقدير: أيُّ الأمرين وقع إذن الله لكم في ذلك، أم افتراؤكم عليه؟ .
فصل
المراد بالشَّيء الذي جعلوه حراماً: ما ذكروه من تحريم السائبة، والوصيلة، والحام، وقولهم {هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ}[الأنعام: ١٣٨]{وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيباً}[الأنعام: ٣٦] ، وقولهم:{مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أَزْوَاجِنَا}[الأنعام: ١٣٩] وقولهم: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضأن اثنين}[الأنعام: ١٤٣] ويدلُّ على ذلك: أنَّ قوله: {فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلَالاً} إشارة إلى أمر تقدَّم منهم، ولمْ يحكِ الله - تعالى - عنهم إلَاّ هذا؛ فوجب توجيه الكلام إليه، ثم لمَّا حكى تعالى ذلك عنهم، قال لرسوله:{قُلْءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ} وهذه قسمةٌ صحيحةٌ؛ لأنَّ هذه الأحكام: إمَّا أن تكون من الله - تعالى -، أو لم تكن، فإن كانت من الله فهو المراد بقوله:{ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} وإنْ كانت ليست من الله، فهو المراد بقوله:{أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ} .
فصل
استدلَّ نفاةُ القياس بهذه الآية على بُطلان القياس.
قال القرطبيُّ:«وهو بعيدٌ؛ لأنَّ القياس دليلُ قول الله - تعالى -؛ فيكون التَّحْليل والتَّحريم من الله - تعالى -، عند وجود دلالة نصبها الله تعالى على الحكم، فإن خالف في كون القياس دليلاً لله - تعالى -، فهو خروجٌ عن هذا الغرض، ورجوعٌ إلى غيره» .
قوله:{وَمَا ظَنُّ الذين يَفْتَرُونَ} : «ما» مبتدأة استفهامية، و «ظَنَّ» خبرها، و «يَوْمَط منصوبٌ بنفس الظنِّ، والمصدر مضافٌ لفاعله، ومفعولا الظن محذوفان، والمعنى: وأيُّ شيءٍ يظُنُّ الذين يفترون يوم القيامة أنِّي فاعلٌ بهم: أأنجيهم من العذاب، أم أنتقمُ منهم؟ وقيل: أيحْسَبُون أنَّ الله لا يؤاخذهم به، ولا يعاقبهم عليه، والمراد منه: تعظيم وعيد من يفتري، وقرأ عيسى بن عمر:» وما طَنَّ الذين «جعله فعلاً ماضياً، والموصولُ فاعله، و» ما «على هذه القراءة استفهاميَّة أيضاً في محلِّ نصب على المصدر، وقُدِّمتْ لأنَّ الاستفهام لهُ صدرُ الكلام، والتقدير: أيَّ ظنَّ المفترون، و» مَا «الاستفهاميَّةُ قد تنُوبُ عن المصدرِ؛ ومنه قول الشاعر:[البسيط]
٢٩٠٩ - مَاذَا يَغِيرُ ابْنَتَيْ رَبْعٍ عوِيلُهُمَا ... لا تَرْقُدان ولا بُؤسى لِمَنْ رَقَدَا