الكلام، و» جِئْتُم به «مفسِّر لذلك الفعل المقدَّر، وتكون المسألةُ حينئذٍ من باب الاشتغال، والتقدير: أيُّ شيءٍ أتيتُم جِئْتُم به، و» السِّحْر «على ما تقدَّم، ولو قُرىء بنصب» السِّحْر «على أنَّه بدلٌ مِنْ» ما «بهذا التقدير، لكان لهُ وجه، لكنَّه لم يقرأ به فيما علمت، وسيأتي ما حكاه مكِّي عن الفرَّاء من جواز نصبه لمدركٍ آخر، لا على أنَّها قراءةٌ منقولةٌ عن الفرَّاء.
وأمَّا قراءةُ الباقين، ففيها أوجهٌ:
أحدها: أن تكون «ما» بمعنى: «الذي» في محلِّ رفعٍ بالابتداء، و «جِئْتُم بِه» صلته وعائده، و «السِّحرُ» خبرهُ، والتقدير: الذي جئتم به السحر، ويؤيِّد هذا التقدير، قراءة أبيّ، وما في مصحفه:«ما أتيتم به سِحْرٌ» ، وقراءة عبد الله بن مسعود والأعمش:«مَا جِئْتُمْ بِهِ سحْرُ» .
الثاني: أن تكون «ما» استفهامية في محلِّ نصبٍ، بإضمار فعل على ما تقرَّر و «السِّحْر» خبر ابتداء مضمر، أو مبتدأ مضمر الخبر.
الثالث: أن تكون «ما» في محلِّ رفع بالابتداء، و «السِّحْر» على ما تقدَّم من كونه مبتدأ، أو خبراً، والجملة خبر «ما» الاستفهامية.
قال أبو حيَّان - بعد ما ذكر الوجه الأول -: «ويجوز عندي أن تكون في هذا الوجه استفهاميَّة في موضع رفع بالابتداء، أو في موضع نصبٍ على الاشتغال، وهو استفهامٌ على سبيل التَّحقير، والتَّقليل لما جاؤوا به، و» السِّحْر «خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هو السِّحْر» .
قال شهاب الدِّين: ظاهرُ عبارته: أنَّه لم يَرَ غيره، حيث قال وعندي، وهذا قد جوَّزه أبو البقاء ومكِّي.
قال أبو البقاء - لمَّا ذكر قراءة غير أبي عمرو - «ويُقْرَأ بلفظ الخبر، وفيه وجهان» ، ثم قال:«ويجوزُ أن تكون» ما «استفهاميَّة، و» السِّحْر «خبر مبتدأ محذوف» .
وقال مكِّي - في قراءة غير أبي عمرو، بعد ذكره كون «ما» بمعنى: الذي - ويجوز أن تكون «ما» رفعاً بالابتداء، وهي استفهامٌ، و «جِئْتُم بهِ» : الخبر، و «السِّحْر» خبر مبتدأ محذوف، أي: هو السِّحر، ويجُوزُ أن تكون «ما» في موضع نصبٍ على إضمار فعلٍ بعد «ما» تقديره: أيُّ شيءٍ جئتم به، و «السحرُ» : خبر ابتداء محذوف.
الرابع: أن تكون هذه القراءةُ كقراءة أبي عمرو في المعنى، أي: أنَّها على نيةِ الاستفهامِ، ولكن حذفت أداته للعلم بها.