والثاني: أنَّ الضمير يعُود على فرعون، ويُروى عن ابن عبَّاس أيضاً، ورجَّح ابنُ عطيَّة هذا، وضعف الأول، فقال: وممَّا يضعفُ عود الضَّمير على مُوسى: أنَّ المعروف من أخبار بني إسرائيل، أنهم كانوا قد فشتْ فيهم النبواتُ، وكانُوا قد نالهُم ذلٌّ مفرط، وكانوا يرجُون كشفهُ بظُهُورِ مولُود، فلمَّا جاءهُم موسى أصْفَقُوا عليه وتابعُوه، ولم يُحْفَظْ أنَّ طائفة من بني إسرائيل كفرتْ بمُوسَى، فكيف تُعْطِي هذه الآيةُ أنَّ الأقلَّ منهم كان الذي آمَنَ؟ فالذي يترجَّحُ عودُه على فرعون، ويؤيِّده أيضاً: ما تقدَّم من محاورة موسى وردِّه عليهم وتوبيخهم.
قيل: المراد بالذرية: أقوام كان آباؤهم من قوم فرعون، وأمَّهاتُهُم من بني إسرائيل، فجعل الرَّجُل يتبع أمَّهُ وأخوالهُ.
روي عن ابن عبَّاس: أنَّهم كانوا ستمائة ألفٍ من القبط.
قيل: سُمُّوا ذُرِّيَّة؛ لأنَّ آباءهم كانوا من القبط، وأمهاتهم من بني إسرائيل، كما يقال لأولاد فارس - الذين سقطوا إلى اليمن -: الأبناء؛ لأنَّ أمُّهاتهم من غير جنس آبائهم.
وقيل: المراد بالذُّرِّيَّة من آل فرعون: آسيةُ، ومُؤمنُ آلِ فرعون، وامرأته، وخازنه، وامرأةُ خازنه، وماشطتها.
واعلم: أنَّه - تعالى - إنَّما ذكر ذلك تسلية لمحمَّد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -؛ لأنَّه كان يغتمُّ بسبب إعراض القوم عنه، واستمرارهم على الكُفْر، فبيَّن أنَّ له في هذا الباب أسوة بسائر الأنبياء؛ لأنَّ الذي ظهر من موسى كان في الإعجاز في مرأى العين أعظم، ومع ذلك فما آمن منهم إلا ذرية.
قوله «عَلى خوفٍ» : حالٌ، أي: آمنوا كائنين على خوف، والضَّمير في «ومَلئِهِم» فيه أوجه:
أحدها: أنَّه عائدٌ على الذُّرية، وهذا قولُ أبي الحسن، واختيارُ ابن جرير، أي: خوفٍ من ملأ الذرية، وهم أشراف بني إسرائيل.
الثاني: أنه يعودُ على «قَوْمِهِ» بوجهيه، أي: سواءٌ جعلنا الضمير في «قومِهِ» لمُوسى، أو لفرعون، أي: وملأ قوم موسى، أو ملأ قوم فرعون.
الثالث: أن يعود على فرعون؛ لأنَّهم إنَّما كانُوا خائفين من فرعون، واعترض على هذا؛ بأنَّهُ كيف يعودُ ضميرُ جمعٍ على مفرد؟ واعتذر أبو البقاء بوجهين: