الثالث: أنَّ المراد بالفتنة المفتُون؛ لأنَّ إطلاق لفظ المصدر على المفعول جائز، كالخلق بمعنى المخلوق والتقدير: لا تَجٍْعلْنا مفْتُونين بأنَّ ييقهَرُونا بالظُّلْمِ على أن ننصرف من هذا الدِّين الذي قبلناهُ، ويؤكِّد هذا قوله:{فَمَآ آمَنَ لموسى إِلَاّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ على خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ}[يونس: ٨٣] وأمَّا المطلوبُ الثاني، فهو قوله:{وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القوم الكافرين} .
وهذا يدلُّ على أنَّ اهتمامهم بأمر دينهم كان فوق اهتمامهم بأمر دنياهم؛ لأنَّا إذا حملنا قولهم:{لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظالمين}[يونس: ٨٥] ، على تسليط الكفَّار عليهم وصيروة ذلك التسليط شبهة للكفار في أنَّ هذا الدِّين باطلٌ، فتضرعوا إلى الله - تعالى - في صون الكُفَّار عن هذه الشُّبهة، وتقديم هذا الدُّعاء على طلب النَّجاة لأنفسهم، وذلك يدل على أن اهتمامهُم بمصالح أديانهم فوق اهتمامهم بمصالح أبدانهم.