وروى ابن عطية عن الزهري: «بَارِيكُمْ» بكسر الياء من غير همزة قال: «ورويت عن نافع» .
قلتك من حق هذا القارىء أن يكسن الياء؛ لأن الكسرة ثقيلةٌ عليها، ولا يجوز ظهورها إلاّ في ضرورة شعر؛ كقول أبي طالب: [الطويل]
٥٠٣ - كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ الله نُبْزِي مُحَمَّداً ... وَلَمْ تَخْتَضِبْ سُمْرُ العَوَالِي بالدَّمِ
وقرأ قتادة: «فَاقْتَالُوا» وقال: هي من الاستِقَالة.
قال ابن جنِّي: اقْتَالَ: افتعل، ويحتمل أن تكون عينها واواً ك «اقْتَادُوا» أوياء ك «اقْتَاسَ» ، والتصريف يضعف أن تكون من الاستقالة.
ولكن قتادة ينبغي أن يُحْسَنَ الظنُّ به في أنه لم يورد ذلك إلا بحجّة عنده.
وقرىء أيضاً: «فَأَقِيلُوا أنفسكم» بالياء المُثَنَّاة التحتية، وهي موافقة للرسم أيضاً.
«والبارىء» : الخالق، برأ الله الخلق أيك خلقهم، وقد فرق بعضهم بين الخَالِقِ والبارىء، بأن البَارِىءَ هو المبدع والمُحْدِث، والخالق هو المقدر النَّاقل من حال إلى حال، وأصل هذه المادّة يدلّ على الانفصال والتميز، ومنه: برأ المريض بُرْءاً وبَرْءاً وبَرَاءَةً، وبرئت أيضاً من الدَّيْن براءةً، والبَرِيّة: الخلق؛ لأنهم انفصلوا من العَدَمِ إلى الوجود، إلاّ أنه لا يهمز.
وقيل: أصله من البَرَى وهو التراب. وسيأتي تحقيق القولين إن شاء الله تعالى.
قوله: {فاقتلوا أَنفُسَكُمْ} .
قال بعض المفسرين: هذه الآية وما بعدها منقطعمةٌ عما تقدم من التذكير بالنعم؛ لأنها أمر بالقَتْلِ، والقتل لايكون نعمة، وهذا ضعيف لوجوه.
أحدها: أن الله تعالى نبَّههم على عظم ذنبهم، ثم نبّههم على ما به يتخلّصون عن ذلك الذنب العظيم، وذلك من أعظم النعم في الدين، وإذا عدّد الله عليهم النعم الدنيوية، فتعديد النعم الدينية أولى، ثم إنّ هذه النعمة، وهي كيفية التَّوبة لما لم يكن وصفها إلا بمقدّمة ذكر المعصية كان ذكرها أيضاً مع تمام النّعمة، فصار كل ما تضمّنته هذه الآية معدوداً في نعم الله تعالى، فجاز التذكير بها.
وثانيها: أنه تعالى لما أمرهم بالقَتْلِ رفع ذلك الأمر عنهم قيل فَنَائِهِمْ بالكلية،