ثم قال: {ولكن أَعْبُدُ الله الذي يَتَوَفَّاكُمْ} يميتكم، ويقبض أرواحكم.
فإن قيل: ما الحكمةُ في وصف المعبود ههنا بقوله: {الذي يَتَوَفَّاكُمْ} ؟ .
فالجواب: من وجوه:
الأول: أنَّ المعنى أني أعبدُ الله الذي خلقكم أولاً، ثم يتوفَّاكم ثانياً ثم يعيدكم ثالثاً، فاكتفى بذكر التوفي لكونه مُنَبِّهاً على البواقي.
الثاني: أنَّ الموت أشدُّ الأشياءِ مهابة، فخص هذا الوصف بالذكر ههنا، ليكون أقوى في الزَّجر والرَّدع.
الثالث: أنَّهم لمَّا استعجلوا نزول العذاب قال تعالى: {فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَاّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فانتظروا إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ} [يونس: ١٠٢ - ١٠٣] وهذا يدلُّ على أنَّهُ تعالى يهلك أولئك الكفار، ويبقي المؤمنين ويقوي دولتهم، فلمَّا كان قريب العهد بذكر هذا الكلام لا جرم قال ههنا: {ولكن أَعْبُدُ الله الذي يَتَوَفَّاكُمْ} وهو إشارةٌ إلى ما قرَّره وبيَّنهُ في تلك الآية كأنه يقول: أعبد الله الذي وعدني بإهلاككم، وإبقائي بعدكم.
قوله: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} [يونس: ٧٢] ، قال الزمخشري: أصله بأن أكون، فحذف الجارُّ، وهذا الحذف يحتمل أن يكون من الحذف المطرد الذي هو حذفُ الحروفِ الجارَّة مع أن وأنَّ، وأنْ يكون من الحذف غير المطَّرد؛ وهو كقوله: [البسيط]
٢٩٣٩ - أَمَرْتُكَ الخَيْرَ ... ... ... ... ..... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
{فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: ٩٤] يعني: بغيرِ المُطَّرد أنَّ حذف حرف الجر مسموعٌ في أفعالٍ لا يجوزُ القياسُ عليها، وهي: أمَرَ، واسْتَغْفَرَ، كما تقدم [الأعراف١٥٥] ، وأشار بقوله: «أمَرْتُكَ» إلى البيت المشهور: [البسيط]
٢٩٤٠ - أمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ مَا أمِرْتَ بِهِ..... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . .
وقد قاس ذلك بعضُ النَّحويِّين، ولكن يُشترط أن يتعيَّن ذلك الحرف، ويتعيَّن موضعه أيضاً، وهو رأي علي بن علي بن سليمان فيُجيز «بريتُ القلمَ السكين» بخلاف «صَكَكْتُ الحَجَرَ بالخشبةِ» .
قوله: «وأنْ أقِمْ» يجوز أن يكون على إضمار فعلٍ أي: وأوحي إليَّ أن أقم، ثم لك في «أنْ» وجهان أحدهما: أن تكون تفسيريةً لتلك الجملةِ المقدَّرة، كذا قاله أبو حيان، وفيه نظرٌ، إذا المفسَّرُ لا يجوز حذفه، وقد ردَّ هو بذلك في موضع غير هذا، والثاني: أن تكون المصدرية، فتكون هي وما في خبرها في محلِّ رفع بذلك الفعل المقدر، ويحتمل أن تكون «أنْ» مصدرية فقط، وهي على هذا معمولةٌ لقوله: أمِرْتُ مراعى فيها معنى