للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فحذفت نونُ الرفع؛ لأنَّها لا تدلُّ من المعنى على ما تدلُّ عليه نون التَّوكيد، فالتقى ساكنان، فحذفت الواوُ التي هي ضميرُ الفاعل لالتقائهما، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك.

و «مَا يَحْبِسُهُ» استفهامٌ، ف «ما» مبتدأ، و «يَحْبِسُهُ» خبره، وفاعل الفعل ضميرُ اسم الاستفهام، والمنصوبُ يعودُ على العذابِ، والمعنى: أيُّ شيءٍ من الأشياء يحبسُ العذاب؟ قوله: «ألا يَوْمَ يَأتيهِمْ» «يَوْمَ» منصوبٌ ب «مَصْرُوفاً» الذي هو خبرُ «ليس» ، وقد استدلَّ به جمهور البصريين على جواز تقديم خبر «ليس» عليهما، ووجهُ ذلك أنَّ تقديم المعمول يُؤذن بتقديم العامل، و «يوم» منصوب ب «مَصْرُوفاً» وقد تقدَّم على «ليس» فليَجُزْ تقديمُ الخبر بطريق الأولى، لأنَّه إذا تقدَّم الفرعُ فأولى أن يتقدَّم الأصلُ.

وقد ردَّ بعضهم هذا الدليل بشيئين:

أحدهما: أنَّ الظرف يُتوسَّعُ فيه ما لا يتوسَّع في غيره.

والثاني: أنَّ هذه القاعدة مُنْخرمةٌ، إذ لنا مواضع يتقدَّمُ فيها المعمولُ ولا يتقدم فيها العاملُ، وأورد من ذلك نحو قوله تعالى: {فَأَمَّا اليتيم فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السآئل فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: ٩، ١٠] ف «اليتيمَ» منصوبٌ ب «تَقْهَرْ» ، و «السَّائِل» منصوبٌ ب «تَنْهَرْ» وقد تقدَّما على «لا» النَّاهية، ولا يتقدَّمُ العاملُ - وهو المجزومُ - على «لا» ، وللبحث في هذه المسألة موضعق أليقُ به.

قال أبُو حيَّان: وقد تتبَّعت جملة من دواوين العرب فلم أظفر بتقديم خبر «ليسَ» عليها، ولا بمعموله إلَاّ ما دلَّ عليه ظاهرُ هذه الآية وقول الشاعر: [الطويل]

٢٩٤٥ - فَيَأبَى فما يَزْدَادُ إلَاّ لجَاجَةً ... وكُنْتُ أبِيّاً في الخَنَى لسْتُ أقْدِمُ

واسمُ «ليس» ضميرٌ عائدٌ على «العذاب» ، وكذلك فاعل «يأتيهم» ، والتقدير: ألا ليس العذاب مصرُوفاً عنهم يوم يأتيهم العذاب.

وحكى أبو البقاءِ عن بعضهم أنَّ العامل في «يَوْمَ يأتيهم» محذوفٌ تقديره: أي: لا يصرفُ عنهم العذابُ يوم يأتيهم، ودلَّ على المحذوف سياق الكلام.

قال: {وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وذكر «حَاقَ» بلفظ الماضي مبالغة في التَّأكيد والتقرير وأنَّ خبر الله تعالى واقعٌ لا محالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>