للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

واختلف في الضَّمير في «عُمِّيَتْ» هل هو عائدٌ على «البَيِّنة» ، أو على «الرَّحْمَة» ، أو عليهما معاً؟ .

وجاز ذلك - وإن كان بلفظ الإفراد - لأنَّ المراد بهما شيءٌ واحد، وإذا قيل بأنه عائدٌ على «البيِّنة» فيكون قوله {وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ} جملة معترضة بين المتعاطفين، إذ حقُّهُ، {على بَيِّنَةٍ مِّن ربي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ} .

قال الزمخشريُّ: وآتَانِي رحْمَةً بإتيان البيِّنة، على أنَّ البيِّنة في نفسها هي الرَّحمة، ويجوزُ أن يُرَادَ بالبيِّنةِ المعجزة، وبالرَّحمة النبوَّة.

فإن قلت: فقوله «فعُمِّيَتْ» ظاهر على الوجهِ الأوَّلِ فما وجهه على الوجه الثاني، وحقُّه أن يقال: فَعَمِيتَا؟ قلت: الوجهُ أن يُقدَّرَ: فعُمِّيَتْ بعد البيِّنة، وأن يكون حذفه للاقتصار على ذكره مرة. انتهى وقد تقدَّم الكلامُ على «أرأيْتُمْ» هذه في الأنعام، وتلخيصهُ هنا أنَّ «أرأيتُم» يطلب «البيِّنة» منصوبةً وفعل الشَّرط يطلبها مجرورةً ب «عَلَى» فأعمل الثَّاني وأضمر في الأول، والتقدير: أرأيْتُم البيِّنة من ربِّي إن كنتُ عليها أنلزِمُكمُوهَا، فحذف المفعولُ الأوَّل، والجملةُ الاستفهاميَّة هي في محلِّ الثاني، وجواب الشرط محذوفٌ للدَّلالةِ عليه.

قوله: «أنُلْزمُكُمُوهَا» أتى هنا بالضَّميرين متصلين، وتقدَّم ضميرُ الخطاب؛ لأنَّهُ أخص، ولو جِيءَ بالغائب أولاً لانفصل الضَّميرُ وجوباً. وقد أجاز بعضهم الاتِّصال واستشهد بقول عثمان «أراهُمُني الباطل شَيْطَاناً» .

وقال الزمخشريُّ: يجوزُ أن يكون الثاني منفصلاً كقوله: «أنُلْزِمكم إيَّاهَا» ونحوه {فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله} [البقرة: ١٣٧] ويجوز «فَسَيكفيك إيَّاهُمْ» ، وهذا الذي قاله الزمخشريُّ ظاهرُ قول سيبويه وإن كان بعضهم منعهُ.

وإشباعُ الميم في مثل التركيب واجبٌ، ويضعف سكونها، وعليه «أرَاهُمْني البَاطِل» .

وقال أبُو البقاءِ: وقرىء بإسكان الميم فراراً من توالي الحركات فقوله هذ يحتمل أن يكون أراد سكون ميم الجمع؛ لأنَّه قد ذكر ذلك بعدما قال: «ودخلتِ الواوُ هُنَا تتمَّةٌ للميم، وهو الأصلُ في ميم الجمع، وقرىء بإسكان الميم» انتهى.

وهذا إن ثبت قراءةً فهو مذهبٌ ليونس: يُجوَّزُ الدِّرهمَ أعطيتكه، وغيره يأباه.

<<  <  ج: ص:  >  >>