ذراعاً، وأن يطلي ظاهرها وباطنها بالقارِ وقال قتادة: كان طولها ثلثمائة ذراع [وعرضها خمسين ذراعاً.
وعن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - كان طولها ألفاً ومائتي ذراع في عرض ستمائة ذراع] .
وقيل: ألف ذراعٍ في عرض مائة ذراعٍ.
واتفقوا كلهم على أنَّ ارتفاعها ثلاثون ذراعاً، وكانت ثلاث طبقات كلُّ واحدة عشرة أذرع، فالسفلى للدَّواب والوحوش، والوسطى للنَّاس، والعليا للطيور، ولها غطاء من فوق يطبق عليها.
قال ابنُ الخطيب - رَحِمَهُ اللَّهُ - والذي نعلمه أنَّ السَّفينة كانت سعتها بحيث تسعُ المؤمنين من قومه، ولما يحتاجون إليه، ولحصول زوجين لكلّ حيوان؛ لأنَّ هذا القدر مذكور في القرآن، فأما تعيينُ ذلك القدر فغير معلوم.
قوله:«وَكُلَّمَا مَرَّ» العاملُ في «كُلَّمَا»«سَخِرَ» ، و «قَالَ» مستأنف، إذ هو جوابٌ لسؤال سائل. وقيل: بل العامل في «كُلَّما»«قال» ، و «سَخِرُوا» على هذا إمَّا صفة ل «مَلأ» ، وإمَّا بدلٌ مِنْ «مرَّ» ، وهو بعيدٌ جدّاً، إذ ليس «سَخِرَ» نوعاً من المرور، ولا هو هو فكيف يبدل منه؟ والجملةُ من قوله «كُلَّما» إلى آخره في محلِّ نصبٍ على الحالِ أي: يصنع الفلك والحالُ أنَّه كُلَّما مرَّ.
فصل
اختلفوا فيما كانوا لأجله يسخرون، فقيل: إنهم كاوا يقولون له: كنت تدَّعي الرسالة، فصرت نجَّاراً. وقيل: كانوا يقولون: لو كنت صادقاً في دعواك لكان إلهك يغنيك عن هذا العمل الشاق.
وقيل: إنَّهم كانُوا ما رَأوا السَّفينة قبل ذلك وما عرفوا كيفية الانتفاع بها، فكانوا يتعجَّبُون منه ويسخرُون - وقيل: إنَّ تلك السَّفينة كانت كبيرة، وكان يصنعها في موضع بعيد عن الماء جدّاً، وكانوا يقولون له: ليس ههنا ماء، ولا يمكنك نقلها لماءِ البحار، فكانوا يُعدُّون ذلك من باب السخرية.
وقيل: إنَّه لمَّا طال مكثه فيهم، وكان ينذرهم بالغرقِ، وما شاهدُوا من ذلك المعنى خبراً ولا أثراً غلب على ظنونهم كذبه في ذلك النقل، فلمَّا اشتغل بعمل السفينة، سخرُوا منه، وكل هذه الوجوه محتملة.