للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المصدر. قال أبو البقاء:» ولمْ أعلم أحداً قرأ بالفتح «.

قال شهابُ الدِّ] ن: لأنَّ المصدر ليس حاوياً له ولا ظرفه؛ فكيف يقرأ به إلَاّ مجازٍ بعيد؟ .

وأصله: من العَزْل، وهو التَّنحية، والإبعاد تقول: كنت بمعزلٍ عن كذا، أي: بموضع قد عُزِل منه، قيل: كان بمعزلٍ عن السفينة، لأنه كان يظنُّ أنَّ الجبل يمنعه من الغرق.

وقيل: كان بمعزل عن أبيه وإخوته وقومه، وقيل: كان في معزل من الكفار كأنَّه انفرد عنهم فظنَّ نوحٌ أنَّ ذلك محبة لمفارقتهم.

فصل

اختلفوا في أنه هل كان ابناً له؟ فقيل: كان ابنه حقيقة لنصِّ القرآن، وصرفُ هذا اللفظ إلى أنَّهُ رباه، فأطلق عليه اسم الابن لهذا السَّبب، صرف للكلام عن حقيقته إلى مجازه من غير ضرورة، والمخالفُ لهذا الظَّاهر إنَّما خالفهُ استبعاداً لأن يكون ولد الرسول كافراً، وهذا ليس ببعيد؛ فإنَّه قد ثبت بنصِّ القرآن أنَّ والد الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان كافراً، فكذلك ههنا.

فإن قيل: لمَّا دَعَا وقال: {رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} [نوح: ٢٦] فكيف نادى ابنه مع كفره؟ .

فالجواب من وجوه:

الأول: أنَّهُ كان ينافقُ أباه؛ فظنَّ نوحٌ أنَّهُ مؤمنٌ؛ فلذلك ناداه، ولولا ذلك لما أحب نجاته.

الثاني: أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان يعلمُ أنه كافرٌ لكن ظنَّ أنه لمَّا شاهد الغرق، والأهوال العظيمة فإنَّهُ يقبل الإيمان، فكان قوله: {يابني اركب مَّعَنَا} كالدَّلائلِ على أنَّهُ طالبٌ منه الإيمان، وتأكد هذا بقوله: {وَلَا تَكُن مَّعَ الكافرين} أي: تابعهم في الكفر، واركب مع المؤمنين.

الثالث: أنَّ شفقة الأبوة لعلَّها حملته على ذلك النداء، والذي تقدَّم من قوله: {إِلَاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول} [هود: ٤٠] كان كالمجمل، فلعلَّه جوَّز ألَاّ يكون هو داخلاً فيه.

وقيل: كان ابن امرأته، ويدلُّ عليه ما تقدَّم من القراءة.

وقال قتادة: سألت الحسن عنه فقال: والله ما كان ابنه فقلت: إنَّ الله - تعالى - حكى عنه أنه قال: {إِنَّ ابني مِنْ أَهْلِي} [هود: ٤٥] وأنت تقولُ: ما كان ابناً له، فقال: لَمْ يقل: إنَّ ابني منِّي، وإنَّما قال: من أهلي، وهذا يدلُّ على قولي.

<<  <  ج: ص:  >  >>