فصل
في هذه الآية ألفاظٌ كل واحد منها دال على عظمةِ الله - تعالى -.
فأولها: قوله: «وقِيلَ» وهذا يدلُّ على أنَّهُ سبحانه في الجلال والعظمة بحيثُ أنَّهُ متى قبل لم ينصرف الفعل إلَاّ إليه، ولم يتوجَّه الفكرُ إلَاّ إلى ذلك الأمر؛ فدلَّ هذا الوجهُ على أنَّهُ تقرر في العقول أنَّهُ لا حاكمَ في العالمين ولا متصرف في العالم العلوي والسفلي إلَاّ هُوَ.
وثانيها: قوله: {ياأرض ابلعي مَآءَكِ وياسمآء أَقْلِعِي} فإنَّ الحسَّ يدلُّ على عظمة هذه الأجسامِ، والحقُّ - تعالى - مستولٍ عليها متصرف فيها كيف شاء وأراد، فصار ذلك سبباً لوقوف القوَّة العقليَّة على كمالِ جلالِ الله - تعالى - وعلوّ قدره وقدرته وهيبته.
وثالثها: أَنَّ السَّماء والأرض من الجمادات، فقوله: «يَا أرضُ وَيَا سَمَاءُ» مشعرٌ بحسب الظَّاهر على أنَّ أمره وتكليفه نافِذٌ في الجمادات، وإذا كان كذلك حكم الوهم بأنَّ نفوذ أمره على العقلاء أولى، وليس المرادُ منه أَنَّهُ تعالى يأمرُ الجمادات فإنَّ ذلك باطل، بل المراد أنَّ توجيه صيغة الأمر بحسب الظَّاهر على هذه الجمادات القويَّة الشديدة يقرّر في الوهم قدر عظمته وجلاله تقريراً كاملاً.
ورابعها: قوله: {وَقُضِيَ الأمر} ومعناه: أنَّ الَّذي قضى به وقدَّره في الأزل قضاء جزماً فقد وقع، ذلك يدلُّ على أنَّ ما قضى اللهُ - تعالى - به فهو واقعٌ في وقته وأنه لا دافع لقضائه، ولا مانع من نفاذ حكمه في أرضه وسمائه.
فإن قيل: كيف يليق بحكمة الله - تعالى - أن يغرق الأطفال بسبب جُرم الكبار؟ .
فالجواب من وجهين:
الأول: قال أكثر المفسِّرين: إنَّ الله - تعالى - أعقم أرحام نسائهم قبل الغرق بأربعين سنة، فلمْ يغرق إلَاّ من بلغ سِنُّه أربعين سنة.
ولقائل أن يقول: لو كان ذلك لكان آية عجيبة قاهرة ظاهرة، ويبعدُ مع ظهورها استمرارهم على الكفر، وأيضاً فهبْ أنَّ الأمر كما ذكرتم فما قولكم في إهلاكِ الطَّيْرِ الوحش مع أنَّه لا تكليف عليها ألبتَّة.
الجوابُ الثاني: أنه لا اعتراض على الله - تعالى - في أفعاله: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: ٢٣] وأجاب المعتزلةُ بأنَّ الإغراقَ في الحيوانات والأطفال كإذنه في ذبْحِ هذه البهائم وفي استعمالها في الأعمال الشاقة.
وقوله: {وَقُضِيَ الأمر} أي: فرغ منه، وهو هلاك القوم.
وقوله: {واستوت عَلَى الجودي} أي: استوت السَّفينة على جبلٍ بأرضِ الجزيرةِ بقرب الموصل يقال له الجُودي. قيل: استوت يَوْمَ عاشوراء.