للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قرأ نافع، والبزي بفتح ياء «فَطَرني» ، وأبو عمرو وقنبل بإسكانها. ومعنى «فَطَرني» خلقني، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} أني مصيبٌ في المنع من عبادة الأوثان.

ثم قال: {وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ} آمنوا به، والاستغفارُ - ههنا - بمعنى الإيمان.

وقال الأصمُّ: {استغفروا رَبَّكُمْ} أي: سلُوه أن يغفر لكم ما تقدَّم من شرككم، ثم توبوا من بعده بالنَّدم على ما مضى، وبالعزمِ على أن لا تعودوا إلى مثله، فإذا فعلتُم ذلك فالله يكثرُ النّعْمَة عليكم.

قوله: {يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} نصب «مِدْرَاراً» على الحالِ، ولم يُؤنِّثْهُ وإن كان من مُؤثَّث لثلاثةِ أوجهٍ:

أحدها: أنَّ المراد بالسَّماء السحاب، فذكَّر على المعنى.

الثاني: أنَّ مفعالاً للمبالغةِ فيستوي فيه المذكَّر والمؤنث ك: صَبُور، وشكُور، وفعيل.

الثالث: أنَّ الهاءَ حذفت من «مِفْعَال» على طريقِ النَّسَب قاله مكيٌّ، وقد تقدَّم إيضاحه في الأنعام.

والمعنى: يُرسل عليكم المطر متتابعاً مرةً بعد أخرى في أوقات الحاجةِ. {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} أي: شدة مع شدَّتكم. وقيل: المراد بالقوَّة: المال وذلك أنَّ الله تعالى لمَّا بعث هوداً إليهم، وكذَّبُوهُ حبس الله المطر عنهم ثلاث سنين، وأعقم أرحام نسائهم، فقال لهم هودٌ: إنْ آمنتم بالله أحْيَا اللهُ بلادَكم ورزقكم المالَ، والولدَ، فذلك قوله تعالى: {يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} والمِدْرَارُ: بالكسر الكثير الدرّ وهو من أبنية المبالغة.

فإن قيل: إنَّ هوداً - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - قال: لو اشتغلتم بعبادةِ الله لانفتحت عليكم أبوابُ الخيرات الدنيوية، وليس الأمرُ كذلك لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - «خُصَّ البلاءُ بالأنبياءِ ثُمَّ الأولياءِ ثُمَّ الأمثلِ، فالأمْثل» فكيف الجمعُ بينهما؟ وأيضاً فقد جرتْ عادةُ القرآنِ بالتَّرغيب في الطَّاعاتِ بسبب ترتيب الخيرات الدنيويَّة، والأخرويَّةِ عليها، فأمَّا التَّرغيبُ في الطَّاعَاتِ لأجل ترتيب الخيرات الدنيوية عليها؛ فذلك لا يليقُ بالقرآن.

فالجوابُ: لمَّا كثر التَّرغيب في سعاداتِ الآخرة لم يتغيَّر بالتَّرغيب أيضاً في خير الدنيا بقدر الكفايةِ.

قوله: {إلى قُوَّتِكُمْ} يجوز أن يتعلق ب «يَزِدْكُم» على التَّضمين، أي: يُضيف إلى قُوَّتكم قُوَّةً أخرى، أو يجعل الجار والمجرور صفة ل «قُوَّة» فيتعلَّق بمحذوفٍ.

وقدَّرهُ أبو البقاءِ: «مُضافةً إلى قُوَّتِكُم» ، وهذا يأباهُ النحاةُ، لأنَّهُم لا يقدِّرُون إلَاّ الكون

<<  <  ج: ص:  >  >>