البشر، قالوا: لا تخف يا إبراهيم، إنَّا ملائكة الله، أرسلنا إلى قوم لوط.
فصل
في هذه القصَّة دليل على تعجيل قرى الضيف، وعلى تقديم ما يتيسَّر من الموجود في الحال، ثم يُتبِعُهُ بغيره، إن كان له جدةٌ، ولا يتكلَّف ما يَضُرُّ به، والضيافة من مكارم الأخلاق، وإبراهيم أوَّل من أضاف، وليست الضيافةُ بواجبة عند عامة أهل العلم؛ قال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «مَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ، فلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» .
وإكرام الجار ليس بواجب، فكذلك الضَيْفُ، وفي الضيافة الواجبة يقولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ.»
وقال ابن العربيِّ: وقد قال قَوْمٌ: إنَّ الضيافة كانَتْ واجبةً في صدْر الإسلام، ثم نُسِخَتْ.
فصل
اختلفوا في المخاطب بالضِّيافة، فذهب الشافعيُّ، ومحمد بنُ عبد الحكم إلى أنَّ المخاطب بها أهل الحضر والبادية. وقال مالكٌ: ليس على أهل الحضر ضيافة.
قال سُحْنُون: إنَّما الضِّيافةُ على أهْلِ القُرى، وأمَّا أهل الحضر، فالفُنْدُق ينزل فيه المسافرُ؛ لما روى ابنُ عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «الضِّيافةُ عَلَى أهْلِ الوَبَرِ، ولَيْسَتْ عَلَى أَهْلِ المَدَرِ» .
قال القرطبيُّ:«قال أبوعمر بن عبد البرِّ: وهذا حديثٌ لا يصحُّ» قال ابنُ العربي: «الضيافة حقيقة فرض على الكفاية» .
فصل
ومن أدب الضيافة أن يبادرَ المضيف بالأكل؛ لأنَّ كرامةَ الضَّيْفِ التعجيل بتقديم الضِّيافة، كما فعل إبراهيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - ولما قبضوا أيديهم نكرهم إبراهيم فإذا أكل المضيف، طاب نفس الضَّيف للأكل.