اليوم زمانٌ يشتمل على الحوادث، فإذا أحاط بعذابه فقد اجتمع للمُعَذَّبِ ما اشتمل عليه منه كما إذا أحاط بنعيمه.
وزعم قومٌ: أنه جُرَّ على الجوار؛ لأنَّهُ في المعنى صفةٌ للعذاب، والأصلُ: عذاب يوم مُحيطاً وقال آخرون: التقدير: عذابُ يومٍ محيطٍ عذابُه. قال أبو البقاءِ: وهو بعيدٌ؛ لأنَّ محيطاً قد جرى على غير من هو له، فيجب إبرازُ فاعله مضافاً إلى ضمير الموصوف.
واختلفوا في المراد بهذا العذاب: فقيل: عذاب يوم القيامةِ. وقيل: عذاب الاستئصال في الدنيا؛ كما هُو في حق سائر الأمم.
والأقربُ دخولُ كل عذاب فيه، وإحاطة العذاب بهم كإحاطة الدَّائرة بما فيها.
فإن قيل: وقع التَّكرار ههنا من ثلاثة أوجه، فقال:{وَلَا تَنقُصُواْ المكيال والميزان} ثم قال {أَوْفُواْ المكيال والميزان} ، وهو عين الأول، ثم قال:{وَلَا تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَآءَهُمْ} ، وهو عين الأوَّل، فما فائدة التَّكرارِ؟ .
فالجواب من وجوه:
الأول: أن القوم كانوا مُصرِّين على ذلك العمل، فمنع منه بالمبالغة في التأكيد، والتكرارُ يفيد التَّأكيد وشدّة العناية والاهتمام.
الثاني: قوله: {وَلَا تَنقُصُواْ المكيال والميزان} نهي عن التنقيص، وقوله:{أَوْفُواْ المكيال والميزان} أمر بإيفاء العدل، والنَّهْي عن الشيء أمر بضده، وليس لقائل أن يقول النَّهي ضد الأمر، فكان التكرير لازماً من هذا الوجه، لأنَّا نقول: الجوابُ من وجهين:
أحدهما: أنَّهُ تعالى جمع بين الأمر بالشَّيء، وبين النهي عن ضده للمبالغة، كما تقولُ: صل قرابتك، ولا تقطعهم؛ فدلَّ هذا الجمعُ على غاية التَّأكيد.
وثانيهما: ألا نُسَلم أنَّ الأمر كما ذكرتم؛ لأنَّهُ يجُوزُ أن ينهى عن التنقيص وينهى أيضاً عن أصلِ المعاملة، فهو تعالى منع من التنقيص وأمر بإيفاء الحقِّ، ليدلَّ ذلك على أنَّهُ تعالى لم يمنع من المعاملات، ولم ينه عن المبايعات، وإنَّما منع في الآية الأولى من التَّنقِيصِ، وفي الأخرى أمر بالإيفاء، وأما قوله ثالثاً:{وَلَا تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَآءَهُمْ} فليس بتكرير لأنَّهُ تعالى خصَّ المنع في الآية الأولى بالنُّقصان في المكيالِ والميزان. ثم إنَّهُ تعالى عمَّ الحكم في جميع الأشياء، فدل ذلك على أنها غير مكررة، بل في كل واحدة فائدة زائدة.
الوجه الثالث: أنه تعالى قال في الآية الأولى: {وَلَا تَنقُصُواْ المكيال والميزان} وفي