أحدها: أن يكون بدلاً من ضمير «أنْزلْنَاهُ» أو حالاً موطئة منه، والضمير في:«أنْزَلْنَاهُ» على هذين القولين يعود على الكتاب، وقيل:«قُرْآناً» مفعول به، والضمير في «أنْزَلْنَاهُ» ضمير المصدر، و «عربياً» نعت للقرآنِ، وجوَّز أبو البقاء: أن يكون حالاً من الضمير في: «قُرْآناً» إذا تحمَّل ضميراً، يعنى: إذا حعلناهُ حالاً مؤولاً بمشتقِّ، أي: أنزَلنَاه مُجْتمعاً في حال كونهِ عَربيًّا
والعربيّ منسُوب إلى العرب؛ لأنَّه نزل بلغتهم، وواحد العرب: عربيٌّ، كما أن واحد الرُّوم: رُومِيٌّ، أي: أنزلناه بلغتكم، لكي تعلمُوا مَعانيَهُ، وتفهَمُوا ما فيه، و «عَرَبَة» بفتح الرَّاء ناحية دار إسماعيل عليه السلام قال الشاعر: [الطويل]
سكن راءها ضرورة؛ فيجوزُ أن يكون العربي منسُوباً إلى هذه البقعة.
فصل
احتج الجُبَّائيُّ بهذه الآية: على كون القرآن مخلوقاً، لقوله تعالى:{إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ} والقديم لا يجوزُ إنزالهُ وتحويله من حالٍ إلى حالٍ؛ ولأنَّه تعالى وصفهُ بكونه:«عَرَبيًّا» والقديم لا يكون عربيًّا؛ ولأنَّ قوله تعالى {إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} يدلُّ على أنَّه سبحانه وتعالى قادرٌ على أن ينزله لا عربيًّا؛ ولأنَّ قوله:{تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين} يدلُّ على أنَّه مركبٌ من الآيات والكلمات، والمركَّبُ محدثٌ.
قال ابن الخطيب:«والجواب عن هذه الوجوه أن نقول: المركَّب من الحروف والكلمات محدثٌن وذلك لا نزاع فيه، إنَّما الذي ندَّعي قدمه شيء آخر، فسقط هذا الاستدلال» .
قوله:{لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} : قال الجبائي: «كلمة» لعَلَّ «نحملها على اللَاّم، والتقدير: إنَّا أنزلناهُ قُرآناً عربيًّا لتعقلُوا معانيه في أمْر الدِّين، إذ لايجوز أن يراد ب» لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ «: الشَّكح لأنَّه على الله تعالى محالٌ، فثبت أنَّ المراد: لكي تعرفوا الأدلَّة، وذلك يدلُّ على أنَّهُ سبحانه وتعالى ت أراد من كلِّ العباد أن يعقلوا توحيده، وأمر دينه، من عرف منهم، ومن لم يعرف» . قال ابن الخطيب:«والجواب: هَبْ أنَّ الأمْر كمَا ذَكْرتُمْ، إلَاّ أنَّهُ يدلُّ على أنه تعالى أنزل هذه السورة وأراد منهم معرفة كيفيَّة هذه القصَّة، لكن لِمَ قلتم: إنَّها تدلُّ على أنه تعالى أراد من الكُلِّ الإيمان والعمل الصالح» ؟ .