وقال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما دخل حبر من اليهُود على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فسمع منه [قراءة] سورة يوسف، فعاد إلى اليهودِ، فأعلمهم أنَّه سمع كما في التَّوراة، فانطلق نفرٌ منهم، فسَمِعُوا كما سَمِع؛ فقالوا له: من علَّمك هذه القصَّ؟ فقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:«الله عَلَّمَنِي» فنزلت: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} .
قال ابن الخطيب:«وهذا الوجه عندي بعيد؛ لأن المفهوم من الآية: أن في واقعة يُوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ ت آياتٌ للسَّائلينَ، وعلى ما قلناه: ما كانت الآيات في قصَّة يُوسف، بل كانت في إخبار محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عنها، من تعلُّم ولا مطالعة.
الثاني: أن أكثر أهل مكَّة كانُوا أقارب الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، وكانُوا يُنْكِرُون نُبوَّته، ويظهرُون العداوة الشَّديدة معهُ بسبب الحسد، فذكر الله تعالى هذه القصَّة، وبيَّن أنَّ إخوة يُوسُف بالغُوا في إيذائه لأجل الحسد، وبالآخرة إن الله نصره، وقواه، وجعلهم تحت يده، ومثل هذه الواقعة إذا سمعها العاقل، كانت زاجرة له عن الإقدام على الحسد.
الثالث: أن يعقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لما عبر رُؤيا يُوسُف، وقع ذلك التَّعبير، ودخل في الوُجُود بعد ثمانين سنة، فكذلك أن الله تعالى ت كما وعد مُحمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالنَّصر والظفر، كان الأمر كما قدَّره الله تعالى لا كما سعى فيه الأعداء في إبطال أمره» .
قوله:{لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا} اللام في «ليُوسفُ» : لام الابتداء أفادت توكيداً لمضمون الجملة، وأرادُوا أنَّ زيادة محبَّته لهما أمر ثابتٌ لا شبهة فيه «وأخُوهُ» ك هو بنيامين، وإنَّما قالوا:«وأخُوهُ» وهُمْ جَمِيعاً إخوة؛ لأن أمُّهُمَا كانت واحدة، و «أحَبُّ» أفعل تفضيلن وهو مبنيٌّ من «حُبَّ» المبنيِّ للمفعُول، وهو شاذٌّ، وإذا بنيت أفعل التَّفضيل، من مادَّة الحُبِّ والبغضِ، تعدَّى إلى الفاعل المعنوي ب «إلى» وإلى المفعول المعنوي ب «اللام، أو ب» في «فإذا قلتَ: زيدٌ أحبُّ إِليَّ من بكرٍ، تعني: أنك تحبُّ زيداً أكثر من بكر، فالمُتكلِّم هو الفاعل، وكذلك:» هو أبغضُ إليَّ منْهُ «أنت المبغض، وإذا قلت: زيدٌ أحبُّ إليَّ من عمرو، أو أحَبُّ فيَّ مِنهُ، أي: إنَّ زيداً يُحِبُّني أكثر من عمْرِو؛ قال امرؤ القيس:[الطويل]