وقوله:«لهُنَّ مُتَّكَئاً» إما أن يريد: كُلَّ واحدةٍ متكئاً؛ ويدلُّ له قوله:{وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً} ، وإما أن يريد: الجِنْسَ.
والسِّكينُ: تذكرُ وتؤنث، قاله الكسائي: والفراء، وأنكر الأصمعي تأنثه، والسكِّينةُ: فعلية من السكون، قال الراغب: سُمي به لإزالة حركةِ المذبُوحِ بهِ، فقوله:«وأتتْ» ، أي: أعطتْ {كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً} ، إما لأجل الفواكه، أو لأجل قطع اللحم، ثم أمرت يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ بأن يخرج عليهن، وأنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ ما قدر على مخالفتها؛ خوفاً منها.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} ، الظاهرُ أنَّ الهاء ضميرُ يوسف، ومعنى «أكْبَرنَهُ» أعظمنهُ، ودهشن من حسنه، وقيل: هي هاءُ السكتِ؛ قال الزمخشري.
وقيل:«أكْبَرْنَ» بمعنى: حِضْنَ، والهاءُ للسَّكتِ؛ يقال: أكبرت المرأةُ: إذا حاضتْ، وحقيقته: دخلت في الكبرِح لأنها بالحيض تخرج عن حدَّ الصِّغر إلى الكبرِ؛ فإنَّ أبا الطَّيب رَحِمَهُ اللَّهُ أخذ من هذا التفسير قوله:[الطويل]
٣٠٨٩ - خَفِ الله واسْترْ ذَا الجَمالَ بِبُرقُعٍ ... فإنّْ لُحْتَ حاضتْ في الخُدورِ العَواتِق
وكون الهاء للسَّكتِ، يردُّه ضم الهاءِ، ولو كانت للسكتِ، لسكنتن وقد يقال: إنه أجراها مجرى هاء الضمير، وأجرى الوصل مجرى الوقف في إثباتها.
قال أبو حيَّان رَحِمَهُ اللَّهُ:«وإجماع القراء على ضم الهاء في الوصل، دليلٌ على أنها ليست هاء السَّكت، إذا لو كانت هاء السَّكت، فكان من أجرى الوصل مجرى الوقف لم يضمّ الهاء» .
قال شهابُ الدِّين:«وهاءُ السَّكت قد تحرك بحركةِ هاء الضمير؛ إجراءً لها مجراها» ، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في الأنعامِ، وقد قالوا ذلك في قول المتنبيّ أيضاً:[البسيط]
٣٠٩٠ - واحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبهُ شَبِمُ ... قإنه رُوي بضم الهاء في «قَلْبَاهُ» ، وجعلوها هاء السَّكتن ويمكن أن يكون «أكْبَرْنَ» بمعنى حضن، ولا تكون الهاء للسكت؛ بل تجعل ضميراً للمصدر المدلول عليه بفعله، أي: أكبرن الإكبار، وأنشدوا على أنَّ الإكبار بمعنى الحيضِ، قوله [البسيط]