الثالث: أن النسوة اجتمعن عليه، وكلُّ واحدةٍ منهم كانت ترغبه، وتخوفه بطريقٍ غير طريقِ الأخرى، ومكرُ النساءِ في هذا الكتاب شديدٌ.
الرابع: أنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ كان خائفاً من شرِّها، ومن إقدامها على قتله، وإهلاكه.
فاجتمع في حقِّه جميع جهات الترغيب؛ على موافقتها، وجميع جهات التَّخويف؛ على مخالفتها، فخاف صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن تؤثر هذه الأسباب الكثيرة فيه، والوقوة البشريَّة لا تفي بحصول هذه القضية القوية؛ فعند ذلك التجأ إلى الله تعالى وقال:{رَبِّ السجن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ} وقدَّم محبته السِّجن وإن كانت معصية؛ لأنها أخفُّ، وذلك أنه متى لزم ارتكابُ أحد قسمين، كلِّ واحدٍ منهما يضرُّ، فارتكابُ اقلِّ الضررين أولى؛ والأولى بالمرءِ أن يسأل الله العافية.
فإن قيل: كيف قال:» يَدْعُوننِي إليْهِ «وإنما دعتْه زُلَيْخَا خاصَّة؟ .
فالجواب: أضافهُ إليهنَّ؛ خُروجاً من التصريح إلى التعريض، وأراد الجنس، وقيل إنهن جميعاً دعونه إلى أنفُسهِنَّ، وقيل أراد ترغيبهنّ له في مُطَاوعِتهَا.
احتجُّوا بهذه الآيةِ على أنَّ الإنسان لا ينصرفُ عن المعصية، إلَاّ إذا صرفه الله عنها.
قالوا: لأن هذه الآية تدلُّ على أنه إنْ لم يصرفه عن ذلك القبيح، وقع فيه. وتقريره: أنَّ الداعي إلى الفعل، والترْكِ، إن استويا، امتنع الفعل؛ لأن الفعل أحدْ رجحان الطرفين، ومَرْجُوحيَّة الطرفِ الآخرن وحصولهما حال استواء الطرفين جمع بين النقيضين؛ وهو محالٌ، فإن حص الرجحانُ في أحد الطرفين، فذلك الرجحانُ ليس من