فالجواب: لعلَّ مراده أنَّ التوحيد كلا يتغيَّر، ولعله كان رسُولاً من عند الله؛ إلَاّ أنه كان على شريعةِ إبراهيم صلوات الله وسلام عليه وعلى الأنبياء المرسلين.
قوله: {مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْءٍ} فيه سؤال:
وهو أنَّ حال كُلِّ من المكلفين كذلك؟ .
والجواب: ليس المراد بقوله:» مَاكَانَ لنَا «أنَّهُ حرَّم ذلك عليهم، بل المرادُ أنه تبارك وتعالى طهَّره، وطهر آباءه عن الكفر؛ كقوله {مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} [مريم: ٣٥] .
قوله:» مِنْ شيءٍ «يحوز أن يكون مصدراً، أي: شيئاً من الإشراك، ويجوزُ أن يكون واقعاً على الشِّرك، أي: ما كان لنا أن نُشرِكَ شيئاً غيره من ملكِ، أو إنسٍ، أو جنٍّ، فكيم بصنَم؟ .
و» مِنْ « [مزيدة] على التَّقديرين؛ لوجود الشرطين.
ثم قال: «ذلِكَ» أي: التَّوحيد والعلمُ {مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى الناس} ، بِمَا بيَّن لهم من الهدى؛ {ولكن أَكْثَرَ الناس لَا يَشْكُرُونَ} نعم الله على الإيمان.
حُكِيَ أنَّ واحداً من أهْلِ السُّنَّةِ دخل على بشرِ بن المعتمر، وقال له: يا هذا: هل تشكرُ الله على الإيمان أم لا؟ فإنْ قلت لا، فقد خالفت الإجماع، وإن شكرته، فكيف تشكرُ على ما ليس فعلاً له؟ .
فقال له بشرٌ: إنَّا نشكرُ الله على أنه تعالى أعطانا: القدرة، والعقل، والآلة، فيجبُ علينا أن نشكره على إعطاءِ القدرةِ والآلةِ، فأمَّا أن نشكرهُ على الإيمان، مع أنَّ الإيمان ليس فعلاً، فذلك باطلٌ، فدخل عليهم ثمامةُ بن الأشرسِ، وقال: إنَّا لا نشكرُ الله على الإيمان، بل اللهُ يشكرنا عليه؛ كما قال تعالى: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} [الإسراء: ١٩] فقال بشرٌ: «لمَّا صعب الكلامُ، سهُلَ» .
قال ابن الخطيب: «واعلم أنَّ الذي اقترحه ثمامة باطلٌ؛ بنص هذه الآية؛ لأنَّه تعالى بين أن عدم الإشراك من فضل الله، ثم بيَّن أنَّ أكثر الناس لا يشكُرون هذه النعمةَ، وإنما ذكره على سبيل الذَّمِّ، فدل هذا على أنه يجبُ على كل مؤمن أن يشكُر الله على نعمةِ الإيمانِ، وحينئذٍ تقوى الحجَّةُ، وتكمُل الدلالة» .
قال القاضي: قوله: ذلِكَ «إن جعلناه إشارة إلى التمسك بالتوحيدِ، فهو من فضل الله تعالى لأنه إنما حصل بإلطافه، وتسهيله، ويحتملُ أن يكون إشارة إلى النبوة.
والجواب: أنَّ» ذَلِكَ إشارة إلى المذكورِ السابقِ، وذلك هو تركُ الإشراكِ فوجب