هذه شهادةٌ جازمةٌ من تلك المرأة أنَّ يوسفَ صلوات الله وسلامه عليه راعى جانب العزيز حيثُ قال:{ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} ؛ ولم يذكر تلك المرأة ألبتة؛ فعرفت المرأةُ أنَّهُ ترك ذكرها؛ رعايةً، وتعظيماً لجانبها، وإخفاءً للأمر عليها؛ فأرادت أن تكافئه على هذا الفعل الحسن، فلا جرم كشفت الغطاء، واعترفت بأنَّ الذنب كُلَّه من جانبها، وأنَّ يوسف كان مُبَرّأ عن الكل.
حُكِيَ أنَّ امرأة جاءت بزوجها إلى القاضي، فادَّعت عليه المهر، فأمر القَاضِي أن يَكْشفَ عَنْ وَجْهِها؛ حتَّى يتمَكَّنَ الشُّهودُ من إقَامةِ الشَّهادةِ، فقال الزَّوحُ: لا حَاجةَ إلى ذلِكَ؛ فإنِّي مقرٌّ بصَداقِهَا في دَعْواهَا، فقالت المرأةُ: أكْرمْتَنِي إلى هذا الحد؟ اشْهَدُوا أنِّي أبْرَأتُ ذمَّتهُ من كُلِّ حقِّ لِي عليْهِ.
قوله «الآنَ» منصوب بما بعده، و «حَصْحَصَ» معناه: تبيَّن وظهر بعد خفاءٍ، قاله الخليل رَحِمَهُ اللَّهُ.
وقال بعضهم: هو مأخوذٌ من الحصَّة، والمعنى: بانتْ حصَّةُ الحق من حصَّة الباطل، كما تتميَّزُ حِصَصُ الأرَاضِي وغيرها، وقيل: بمعنى ثبت واستقرَّ.
وقال الرَّاغب:«حَصْحَصَ الحقُّ» ، أي: وضَحَ ذلِكَ بانكِشافِ ما يُقهِره، وحصَّ وحَصْحَصَِ، نحو: كفَّ وكَفْكَفَ، وكَبَّ وكَبْكَبَ، وحصَّه: قطعهُ؛ إمَّا بالمباشرة وإمَّا بالحكمِ؛ فمن الأولِ قوله الشاعر:[السريع] .