وهو تعسًّفٌ؛ لأَنَّ في الكلام ما هو جوابٌ صريحٌ كما تقدَّم.
والثالث: أنَّ الجواب هو قوله: «آوَى» قال أبو البقاء: «وهو جواب:» لمَّا «الأولى، والثانية، كقولك: لمَّا كلَّمْتُكَ أجَبْتَنِي، وحسَّن ذلك أن دخولهم على يوسف صلوات الله وسلامه عليه تعقب دخولهم من الأبواب. يعنى أنَّ» آوَى «جواب الأولى، والثانية، وهو واضحٌ.
فصل
قال المفسرون: لمَّا قال يعقوبُ صلوات الله وسلامه عليه: {وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ} [يوسف: ٦٧] صدَّق الله يعقوب فميا قاله، أي: وما كان ذلك التَّفيق يغني من الله من شيءٍ.
قال ابن عبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: ذلك التَّفريق ما كان يرد من قضاء الله تعالى ولا أمراً قدره الله تعالى. وقال الزجاجك لو قدر أن يصيبهم لأصابهم، وهم مُتفرِّقون كما يصيبهم، [وهم مجتمعون] .
وقال ابنُ الأنباري: لو سبق في علم الله تعالى أنَّ العين تهلكهم عند الاجتماع؛ لكان تفرقهم كاجتماعهم، وهذه كلمات متقاربة وحاصلها: أنَّ الحذر لا يدفع القدر.
وقوله:» مِنْ شيءٍ «يحتملُ النَّصب بالمفعولية، والرفع بالفاعلية.
أمَّا الأول فهو كقولك: مَا رأيتُ من أحدٍ، والتقدير: ما رَأيتُ أحداً، كذا ههنا، وتقدير الآية: أن تفرقهم ما كان يغني من قضاء الله شيئاً.
وأما الثَّاني: فكقولك: ما جَاءَنِي من أحدٍ وتقديره: ما جَاءنِي أحدٌ، فيكون التقدير هنا: ما كان يغني عنهم من الله شيء مع قضائه.
قوله: إلَاّ حَاجةٌ» فيه وجهان:
أحدهما: أنه استثناء منقطعٌن وتقديره: ولكن حاجة في نفس يعقوب قضاها، ولم يذكر الزمخشريُّ غيره.
والثاني: أنه مفعولٌ من أجله، ولم يذكر أبو البقاءِ غيره، ويكون التقدير: ما كان يغني عنهم بشيء من الأشياء إلَاّ لأجل حاجة كانت في نفس يعقوب عليه السلام، وفاعل: «يُغْنِي» ضمير التفريق المدلول عليه من الكلام المتقدِّم. وفيما أجازه أبو البقاءِ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى نظر من حيث المعنى لا يخفى على مُتأمِّلهِ. و «قَضَاهَا» صفة ل: «حاجة» .
فصل
قال بعضُ المفسرين: من تلك الحَاجةِ: خوفهُ عليهم من إصابةِ العينِ وقيل: خوفه عليهم من حسدِ أهل مصرَ، وقيل: خوفه عليهم من أن يصيبهم ملكُ مصر بسُوءٍ.