للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فلمَّا شاهدوا إخراج الصواع من رحله؛ غالب على ظنهم أنَّه هو الذي أخذ الصواع.

وأما قوله: «وضَعَ الصُّواعَ في رحْلِي الذي وضع البِضاعَة في رحالكم» فالفرق ظاهرٌ؛ لأنهم لمَّا رجعوا بالبضاعة إليهم اعتروفا بأنهم هم الذين وضعوها في رحالهم، وأمَّا الصُّواع، فلم يعترف أحدٌ بأنه هو الذي وضع الصُّواعَ؛ فلهذا غلب على ظنونهم أنه سرق؛ فشهدوا بناء على غلبة الظَّنِّ، ثمَّ بينوا أنهم غيرُ قاطعين بهذا الأمر بقوله: {وَمَا شَهِدْنَآ إِلَاّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} .

وثانيها: تقدير الكلام: {إِنَّ ابنك سَرَقَ} في قول الملك، وأصحابه، ومثله كثيرٌ في القرآن، قال تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: ٤٩] أي: عند نفسك وأمَّا عندنا فلا فكذا هاهنا.

وثالثها: أنَّ ابنك ظهر عليه ما يشبه السَّرقة، ومثل هذال المعنى قد يسمَّى سرقة، فإن إطلاق أحد الشَّيئين على الشبيه الآخر جائزٌ، مثله في القرآن {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] .

ورابعها: أنهم ما كانوا أنبياء في ذلك الوقت، فلا يبعد أن يقال: إنهم ذكروا هذا الكلام على سبيل المجازفة، لا سيَّما، وقد شاهد سائرهم ذلك.

وخامسها: قراءة ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه المتقدمة «سُرِّقَ» أي: نسب إلى السَّرقة، فهذه لا تحتاجُ إلى تأويلٍ، إلَاّ أنه تقدَّم أنَّ أمثال هذه القراءة لا تدفعُ السَّؤال؛ لأنَّ الإشكال إنَّما يندفعُ إذا كانت القراءة الأولى باطلة، وهذه القراءة حقّ أمَّا إذا كانت الأولى حقّ، كان الإشكال باقياً صحَّت القراءة، أو لم تصحّ، فلا بدّ من الرجوعِ إلى أحدِ الوجوه المذكورة.

فصل

دلَّ قولهم: {وَمَا شَهِدْنَآ إِلَاّ بِمَا عَلِمْنَا} على أنَّ الشَّهادة غير العلم؛ لأن هذا الكلام يقتضي كون الشَّهادةِ مغايرة للعلم، ولقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: «إذَا عَلمْتَ مثلَ الشَّمْسِ فاشْهَدْ» ... وليست الشَّهادةٌ عبارةً عن قوله «اشْهَد» ؛ لأنه إخبار عن الشَّهادة، والأخبار عن الشَّهادة غير الشهادة.

وإذا ثبت هذا؛ فنقول: الشَّهادةُ عبارةٌ عن الحكم الذِّهنيِّ وهو الذي يسميه المتكلمون ب «الكلام» النفسي «.

فصل

قال القرطبيُّ: تضمنت هذه الآية جواز الإشهاد بأيّ [وجه] حصل العلمُ بها

<<  <  ج: ص:  >  >>