وقرأ أبي: مِنْ رحْمةِ اللهِ، و «عِنْدَ اللهِ» : «مِنْ فضلِ الله» تفسير لاتلاوة.
وقال أبو البقاء:«والجمهور على فتح الرَّاء، وهو مصدر في معنى الرَّحمة إلا أنَّ استعمال الفعل منه قليل، وإنِّما يستعمل بالزِّيادة، مثل أراح، ويقرأ بضمِّ الرَّاء، وهي لغةٌ فيه، وقيل: هو اسم للمصدر، مثل الشُّربِ والشَّرب» .
ثم قال:{إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلَاّ القوم الكافرون} قال ابن عبَّاس: إن المؤمن من من الله على خير يرجوه في البلاءِ، ويحمده في الرَّخاء. واعلم أنَّ اليأس من رحمة الله لا يحصلُ إلَاّ إذا اعتقد الإنسان أنَّ إله العالم غير قادر على الكمالِ، أو غير عالم بجميع المعلوماتِ، أو ليس بكريمٍ، بل هو بخيلٌ، وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر، والمعنى: أنَّ اليأس لا يحصل إلَاّ لمن كان كافراً، والله أعلم.
فصل
روي عن عبد الله بن يزيد بن أبي فروة: أنَّ يعقوب كتب كتاباً إلى يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ حين حبس بنيامين:
«من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله صلوات الله وسلامه عليه إلى ملك مصر، أما بعد:
فإنا أهلُ بيتٍ، وكل بناء البَلاءُ، أما جدّي إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فشُدَّتْ يداه، ورجلاه، وألقي في النَّار؛ فجلعها الله عليه برداً وسلاماً، وأمَّا أبي فشدَّت يداه ورجلاه، ووض السِّيكن على قفاه؛ ففداه الله، وأمَّا أنا فكان لي ابنٌ، وكان أحبَّ أولادي إليّ، فذهب به إخوته إلى البرِّيةِ، ثم أتوني بقيمصه ملطّخاً بالدَّم، فقال: أكله الذِّئب؛ فذهبت عيناي، ثمَّ كان لي ابن، وكان أخاه من أمه، وكنت أتسلى به، وأنِّك حبسته، وزعمتَ أنَّه سرق، وأنَّا أهل بيتٍ لا نسرقُ، ولا نَلِدُ سَارقاً، فإن ردَدْتَهُ عليّن وإلَاّ دَعوتُ علَيْكَ دعْوة تُدرِكُ السَّابعَ من وَلدِك» .
فلما قرأ يوسف لم يتمالك البُكاء، [وعيل] صبره، وأظهر نفسه على ما يأتي إن شاء الله تعالى.