كتاب يعقوب، فلما قرأ الكتاب ارتعدت مفاصله واقشعرَّ جلدهُ، ولانَ قلبه، وكثر بكاؤه؛ فصرح بأنه يوسف.
قوله:{هَلْ عَلِمْتُمْ} يجوز أن تكون استفهامية للتَّوبيخ، وهو الأظهر وقيل: هو خبر و» هَلْ «بمعنى» قَدْ «.
وقال الكلبيُّ: «إنما قال: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ} حين حكى لإخوته أنَّ مالك بن دعر قال: إنِّي وجدت غلاماً في بئر من حلاعه كَيْتَ وكيْتَ فأبتعته بكذا وكذا درهماً، فقالوا أيُّها الملك: نحن بِعْنَا ذلك الغلام منه؛ فغاظ يوسف عليه السلام ذلك، وأمر بقتلهم، فذهبوا بهم ليقتلوهم، فولى يَهُوذا وهو يقول: كان يعقوب قد حزن لِفقْدِ واحدة منَّا حتَّى كفَّ بصره، فكيف إذا أتاهُ قتل بنيه كلِّهم، ثم قالوا له: إن فعلت ذلك، فابعثْ بأمتعتنا إلى أبينا، فإنَّه بمكان كذا وكذا، فذلك حين رحمهم وبكى، وقال ذلك القول» .
وفي هذه الآية تصديق قوله تعالى:{وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}[يوسف: ١٥] ، وأمَّا قوله:«وَأخِيهِ» فالمراد ما فعلتم من تعريضه للغمِّ بسبب إفراده عن أخيه لأبيه وامِّه، وأيضاًك كانوا يؤذونه، ومن جملة الإيذاء، قالوا في حقه:{إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ}[يوسف: ٧٧] وأما قوله: {إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} فهو يجرى مجرى الغدرِ لهم كأنه قال: أنتم أقدمتم على ذلك الفعل القبيح المنكر حال كونكم من حالة الصِّبا، وفي جهالة الغرور، يعني: والآن لستُم كذلكن ونظيره قوله تعالى: {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم}[الانفطار: ٦] وقيل: إنما ذكر تعالى ذلك الوصف ليكون ذلك جارياً مجرى الجواب، فيقول العبدُ: يا ربِّ غرَّنِي كرَمُكَ، فكذا ههنا إنَّما قال لهم يوسف ذلك الكلام إزالة للخجل عنهم، وتخفيفاً للأمر عليهم.
وقيل: المعنى: إذ أنتم جاهلون بما يئول إليه أمر يوسف صلوات الله وسلامه عليه. فإن قيل: كيف قال: {مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} ، ولم يكن منهم إلى أخيه شيء، ولم يسعوا في حبسه؟ .
قيل: هو قولهم حين أخرجوا الصواع من رحله، ما رأينا منكم يا بني راحيل إلَاّ البلاء.
وقيل: تفريقهم بينه، وبين أخيه يوسف، وكانوا يؤذونه بعد فقد يوسف.
قوله:«أئِنَّكَ» قرأ ابن كثير، وأبو جعفر:«إنَّكَ» بهمزة واحدة على الخبر