الثاني: أن يقال: إنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكراً لنعمته.
وهذا تأويلٌ حسنٌ، فإنه يقال: صليت للكعبة كما يقال: صليتُ إلى الكعبة؛ قال حسَّانُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [البسيط]
٣١٥٣ - ألَيْسَ أوَّل من صَلَّى لِقبْلتِكُمْ ... وأعْرَفَ النَّاس بالآثَارِ والسُّنَنِ
فدلَّ على أنَّه يجوز أن يقال: فلانٌ صلَّى للقلبةِ، فكذلك يجوز أن يقال: سجد لِلْقِبْلةِ.
وقوله: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً} أي جعلوه كالقبلة ثمَّ سجدوا لله شكراً لنعمة وجدانه.
الثالث: التَّواضع يسمى سجوداًح كقوله: [الطويل]
٣١٥٤ - ... ... ... ... ... ... ... ... . ... تَرَى الأكْمَ فِيهَا سُجَّداً للحَوَافِرِ
فالمراد هنا التَّواضعُ، وهذا يشكلُ بقوله تعالى: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً} والخرور مشعر بالإتيان بالسُّجود على أكمل الوجوه.
وأجيب: بأنَّ الخرور يعني به المرور فقط، قال تعالى: {لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً} [الفرقان: ٧٣] يعنى: لم يمروا.
الرابع: أن يقال الضمير في قوله: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً} عائد إلى إخوته وإلى سائر من كان يدخل عليه لأجل التَّهنئةِ، والتقدير: ورفع أبويه على العرش مبالغة في تعظيمها، وأمَّا الإخوةُ وسائر الدَّاخلين، فخروا له ساجدين.
فإن قيل: هذا لا يلائم قوله: {ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ} .
فالجواب: أن يعتبر الرُّيؤيا لا يجب أن يكون مطابقاً للرُّؤيا بحسب الصُّورةِ، والصِّفة من كُلِّ الوجوه، فسجودُ الكواكب والشَّمس والقمر معبر بتعظيم الأكابر من النَّاس ولا شك أنَّ ذهاب يعقوب من كنعان مع أولاده إلى مصر نهاية التعظيم له، فكفى هذا القدر من صَّحة الرُّؤيا، فأمَّا كون التَّعبير مساوياً في الصُّورةِ والصِّفة، فلم يوجبه أحد من العقلاءِ.
الخامس: لعلَّ الفعل الدَّال على التَّحية في ذلك الوقت، كان هو السُّجودُ وكان مقصودهم من السجود تعظيمه، ثمَّ نسخ ذلك في شرعنا.
وهذا بعيد؛ لأنَّ المبالغة في التَّعظيم كانت أليق بيوسف منها بيعقوب، فلو كان