أممهم على لسانهم قد كذبوا؛ فقد أتى عظيماً لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء، ولا إلى صالح عباد الله، وكذلك من زعمك أنَّ ابن عبَّاس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا، [فظنوا] أنهم قد أخلفوا؛ لأن الله لا يخلف الميعاد، ولا مبدِّل لكلماته» .
وقد روي عن ابن عباس أيضاً، أنه قال: معناه: وظنوا حين ضعفوا وغلبوا؛ أنهم قد أخفلوا ما وعدهم الله به من النصر، وقال: وكانوا بشراًح وتلا قوله تعالى: {وَزُلْزِلُواْ حتى يَقُولَ الرسول}[البقرة: ٢١٤] .
الرابع: أن الضمائر كلَّها ترجع إلى المرسل إليهم أي: وظنَّ المرسل إليهم أنَّ الرسل قد كذبوهم فيما ادَّعوه من النبوة، وفيما يوعدون به من لم يؤمن بهم من العقاب قبل، وهذا هو المشهور من تأويل ابن عباس، وابن مسعود، وابن جبير، ومجاهد، قالوا:«ولايجوز عود الضمائر على الرسل؛ لأنَّهم معصومون» .
ويحكى: أنَّ ابن جبير حين سئل عنها، فقال: نعم، حتَّى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدِّقوهم، وظنَّ المرسل إليهم أن الرُّسل قد كذبوهم؛ فقال الضحاك بن مزاحم وكان حاضراً:«لَوْ رحَلْتُ فِي هَذه إلى اليَمنِ كَانَ قَلِيلاً» .
وأمَّا قراءة التشديد فواضحة، وهو أن تعود الضمائر كلها على الرسل، أي: وظنَّ الرُّسل أنهم قد كذبهم أممهم فيما جاءوا به؛ لطول البلاءِ عليهم.
وبهذا يتَّحد معنى القراءتين، والظَّن هنا يجوز أن يكون على بابه، وأن يكن بمعنى: اليقين، وأن يكن بمعنى: التوهُّم كما تقدَّم.
وقرأ ابن عبَّاس، ومجاهد، والضحاك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم:«كَذبُوا» بالتخفيف مبنيًّا للفاعل، والضمير على هذه القراءة في «وظنُّوا» عائدٌ على الأمم، في أنَّهُم قد كذبوا، عائد على الرسل، أي: ظنَّ المرسلُ إليهم أنَّ الرسل قد كذبوهم فيما وعدوهم به من النَّصر، أو من العقاب.
ويجوز أن يعود الضمير في «ظَنُّوا» على الرسل، وفي «أنَّهُمْ قَدْ كذِبُوا» على المرسل إليهم، أي: وظنَّ الرسل إنَّ الأمم كذبتهم فميا وعدهم به من أنَّهم لا يؤمنون به، والظنُّ هنا بمعنى: اليقين واضح.