للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وجعل عامرُ يومىء إليه، فالتفت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فرأى أربد وما يصنع بسيفه، فقال:» اللَّهُمَّ أكْفِنِيهما بِمَا شِئْتَ «فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم مصحوٍ صائفٍ، فأحرقته، وولّى عامر بنُ الطفيل هارباً، وقال: يا محمد! دعوت ربك فقتل أربد، والله لأملأنَّها عليك خيلاً جرداً، وفتياناً مرداً، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» يَمْنَعُكَ اللهُ مِنْ هذا، وأبْناءُ قيْلة «يريد الأوس، والخزرج؛ فنزل عامرٌ بيت امرأة سلوليّة فلما أصبح، ضم عليه سلاحه، وقد تغير لونه، فخرج يركض في الصحراء ويقول: ابرز يا ملك الموت، ويقول الشِّعر، ويقول: واللات لئن أصبح لي محمداً وصاحبه يعني ملك المت لأنفذتهما برمحي؛ فأرسل الله تبارك وتعالى ملكاً فلطمه بجناحه، فأذراه في التراب، وخرجت على ركبته في الوقت غدة عظيمة، فعاد إلى بيت السلولية، وهو يقول:» غُدَّةٌ كغُدةِ البَعيرِ، ومَوْتٌ في بَيْتِ سَلُوليَّة «، ثم دعا بفرسه، فركبه، ثمَّ أجراه حتَّى مات على ظهره، فأجاب الله دعاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقُتلَ عامرٌ بالطعن، وأربد بالصَّاعقة» ، وأنزل الله في هذه القصَّة: {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بالليل وَسَارِبٌ بالنهار لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} يعنى للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر الله، يعنىم: تلك المعقبات من أمر الله، وفيه تقديرم وتأخير.

ونقل عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما واختاره أبو مسلم الأصفهاني رَحِمَهُ اللَّهُ أن المراد يستوي في علم الله السرُّ، والجهر، والمستخفي في ظلمة اللَّيل والسارب بالنهار المستظهر بالمعاونين، والأنصار، وهم الملوك، والأمراء فمن لجأ إلى الله فلن يفوِّت الله سبحانه وتعالى أمره، ومن سار نهاراً بالمعقبات، وهم الأحراس والأعوان الذين يحفظونه لم ينجه حراسه من الله تعالى والمعقب هو العون؛ لأنه إذا نصر هذا وذاك؛ فلا بد وأن ينصر ذاك هذا؛ فنصر كل واحد منهما معاقبة لنصرة الآخر؛ فهذه المعقبات لا تخلص من قضاء الله، وقدره، وهم وإن ظنُّوا أنهم يخلصون مخدومهم من أمر الله، ومن قضائه؛ فإنهم لا يقدرون على ذلك ألبتَّة.

والمقصود من الكلام: بعث السلاطين، والأمراء، والكبراء على أن يطلبوا الخلاص من المكاره من الله، ويعلولوا على حفظه وعصمته ولا يعولوا في دعفها على الأعوان والأنصار؛ ولذلك قال تعالى جل ذكره بعده: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سواءا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} .

قال القرطبي: «قيل: إن في الكلام نفياً محذوفاً تقديره: لا يحفظونه من أمر الله تعالى ذكره الماورديُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>