للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المخصوص أقل من الباقي، وأحسن منه، كما يقال: هذه الرُّمَّانة مع أنَّه سقطت حبات ما أكلها، وههنا ذات الله أعلى الموجودات، وأشرفها، فكيف يمكن ذكر اللفظ العام الذي يتناوله مع كون الحكم مخصوصاً في حقِّه.

واستدلُُّوا أيضاً بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] ٍ والمعنى: ليس مثل مثله شيء، ومعلوم أن كل حقيقة [فإنها] مثل مثل نفسها، فالباري تعالى مثل مثل نفسه مع أنه تعالى نصَّ على أنَّ مثل مثله ليس بشيء، فهذا تنصيصٌ على أنه تعالى غير مسمى باسم الشيءِ.

واستدلُّوا أيضاً بقوله تعالى:

{وَللَّهِ الأسمآء الحسنى فادعوه بِهَا} [الأعراف: ١٨٠] قالوا: دلَّت على أنه لا يجوز أن يدعى الله إلا بالأسماء الحسنى، ولفظ الشيء يتناول أحد الموجودات، فلا يكون هذا اللفظ مشعراً بمعنى حسن؛ فوجب ألَاّ يجو دعاء الله بهذا اللفظ.

وتمسك من جوَّز إطلاق هذه التسمية عليه بقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: ١٩] .

وأجاب الألولون: بأنَّ هذا سؤال متروك الجواب، وقوله: {قُلِ الله شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام: ١٩] مبتدأ مستقل بنفسه لا تعلق له بما قبله.

فصل

تمسَّك المعتزلة بهذه الآية في أنَّه تعالى عالم لذاته لا بالعلم وقادر لذاته لا بالقدرة، وقالوا: لأنه لو حصل لله تعالى علم، وقدرة وحياة لكانت هذه الصفات إمَّا أن تحصل يخلق الله تعالى أو لا تحصل بخلق الله والأول باطل، وإلا لزم التسلسل، والثاني باطلٌ؛ لأنََّ قول الله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢] يتناول الذات، والصفات حكمنا بدخول التخصيص في ذات الله تعالى؛ فوجب أن يبقى على عمومه في سائر الأشياء، والقرآن ليس هو الله؛ فوجب أن يكون مخلوقاً لدخوله في هذا العموم.

والجواب أن يقال: أقصى ما في الباب أنَّ الصِّيغة عامة؛ لأن تخصيصها في حق صفات الله تعالى بالدلائل العقليَّة.

قوله تعالى: {أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} الآية لما شبَّه المؤمن والكافر، والإيمان، والكفر بالأعمى، والبصير، والظلمات، والنور، ضرب للإيمان، والكفر مثلاً آخر فقال: {أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} «أنْزلَ» يعني الله: {مِنَ السمآء مَآءً} يعني المطر «فَسَالتْ» من ذلك الماء: {أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} أي: في الصغر، والكبر {فاحتمل السيل} الذي حدث من ذلك الماء: {زَبَداً رَّابِياً} الزّبد: الخبث الذي يظهر على وجه الماء وكذلك على وجه القدر «رَابِياً» أي: عالياً مرتفعاً فوق الماءِ، فالماءُ الصًّافي الباقي هو الحق، والذاهب الزائل الذي يتعلق بالأشجار، وجوانب الأودية هو الباطل.

<<  <  ج: ص:  >  >>