وقيل: كما أرسلنا إلى أمم وأعطيناهم كتباً تتلى عليهم كذلك [أعطيناك] هذا الكتاب وأنت تتلوه عليهم.
قوله:«قَد خَلتْ» جملة في محل جر صفة ل «أمَّة» ، و «لِتَتْلُ» متعهلق ب «أرْسلْنَاك» والمعنى: أنه فسر كيف أرسله فقال: {في أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ} أي: أرسلناك في أمة قد تقدمها أمم وهم آخر الأمم وأنت آخر الأنبياء «لتتلو» لتقرأ عليهم الذي أوحينا إليك وهو الكتاب العظيم.
قوله:{وَهُمْ يَكْفُرُونَ} يجوز أن تكون هذه الجملة استئنافية، وأن تكون حالية والضمير في «وهم يكفُرون» عائد على «أمَّة» من حيث المعنى، ولو عاد على لفظها لكان التركيب: وهي تكفر.
وقيل: الضمير عائد على «أمَّة» وعلى «أممٍ» . وقيل: عائد على الذين قالوا: «لوْلَا أنْزِلَ» .
فصل
قال قتادة ومقاتل وابن جريح: الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية وذلك أن سهل بن عمرو لما جاءوا واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح، فقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه لعلي كرم الله وجهه: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. قالوا لا نعرف إلى الرحمن إلا صاحب اليمامة يعنون: مسليمة الكذاب، اكتب كما كممنت تكتب: باسمك اللهم فهذا معنى قوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن} والمعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها: أن أبا جهل سمع النبي س صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو في الحجر يدعو الله يا رحمن فرجع إلى المشركين، وقال: إن محمداً يدعو إلهين: يدعو الله ويدعو الرحمن إلهاً آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى:
وروى الضحاك عن ابن عباس: أنها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشرف وكرم وبجل وعظم: «اسجدوا للرحمن» ، قالوا: وما الرحمن؟ قال الله تعالى:«قل لهم يا محمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت» اعتمدت «وإليه متاب» أي: توبتي ومرجعي.