الكفار] وظهور النصر والفتح للأولياء فقضى الله بحصولها في أوقات معينة ولكل حادث وقت معين و {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} فقيل: حضور ذلك الوقت لا يحدث ذلك الحادث، وتأخر تلك المواعيد لا يدل على كونه كذاباً.
الشبهة السادسة: قالوا: لو كان صادقاً في دعوى الرسالة لما نسخ الأحكام التي نص الله على ثبوتها في الشرائع المتقدمة، كالتوارة والإنجيل، لكنه نسخها وحرفها كما في القبلة، ونسخ أكثر أحكام التوراة والإنجيل، فوجب أن لا يكون نبياً حقاً.
فأجاب الله تعالى عنه بقوله {يَمْحُو الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} ويمكن أيضاً أن يكون قوله: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} كالمقدمة لتقرير هذا الجةاب، وذلك لأِنا نشاهد أنه تعالى يخلق حيواناً عجيب الخلقة بديع الفطرة من قطرة من النطفة، ثم يبقيه مدة مخصوصة، ثم يميته ويفرق أجزاءه وأبعاضه، فلما لم يمتنع أن يحيي أولاً ثم يميت ثانياً، فكيف يمتنع أن يشرع الحكم في بعض الأوقات؟ فكان المراد من قوله {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} ما ذكرنا.
ثم إنه تعالى لما قرر تلك المقدمة قال {يَمْحُو الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} أي: أنه يوجد تارة ويعدم أخرى، ويحيي تارة ويميت أخرى، ويغني تارة ويفقر أخرى، فكذلك لا يبعد أن يشرع الحكم تارة ثم ينسخه أخرى بحسب ما تقضيه المشيئة الإلهية عند أهل السنة، أو بحسب رعاية المصالح عند المعتزلة.
قوله {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} أي: لكل شيء وقت مقدر وقيل: لكل حادث وقت معين قضي الله حصوله فيه كالحياة والموت والغنى والفقر والسعادة والشقاوة، ولا يتغير البتة عن ذلك الوقت.
وقيل: هذا من المقلوب أي: فيه تقديم وتأخير، أي: لكل كتاب أجل ينزل فيه، أي: لكل تاب وقت يعمل به، فوقت العمل بالتوراة قد انقضى، ووقت العمل بالقرآن قد أتى وحضر.
وقيل: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} عند الملائكة، فللإنسان أحوال:
أولها نظفة ثم علقة ثم مضغة يصير شاباً ثم يصير شيخاً، وكذلك القول في جميع الأحوال من الإيمان والكفر السعادة والشقاوة والحسن والقبح.
وقيل: لكل وقت مشتمل على مصلحة خفية ومنفعة لا يعملها إلا الله عَزَّ وَجَلَّ فإذا جاء ذلك الوقت حدث الحادث، ولا يجوز حدوثه في غيره.
وهذه الآية صريحة من أن الكل بقضاء الله وقدره.
قوله: {يَمْحُو الله مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: «ويُثْبِتُ» مخففاً من «