وقيل: الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم فيمحوا الله من دويان الحفظة ماليس فيه ثواب ولا عقاب، كقوله: أكلت. شربت. دخلت. خرجت، ونحوها من الكلام هو صادق فيه، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب، قاله الضحاك والكلبي ورواه أبو بكر الأصم لأن الله تعالى قال في وصف الكتاب {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَاّ أَحْصَاهَا}[الكهف: ٤٩] .
فأجاب القاضي عنه: بأنه لا يغادر من الذنوب صغير ولا كبيرة، ويمكمن أن يجاب عن هذا: بانكم خصصتم الكبيرة والصغيرة بالذنوب بمجرد اصطلاحكم، وأمام في أصل اللغة فالصغيرة والكبيرة تتناول كل فعل وعرضٍ، لأنه إن كان حقيراً فهو صغير وإن ك ان غير ذلك فهو كبير، وعلى هذا يتناول المباحات.
وقال عطية عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما:«هو الرجل يعمل بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلاله، فهو الذي يمحو اوالذي يثبت هو الرجل يعمل بطاعة الله فيموت في طاعته فهو الذي يثبت» .
وقال الحسن:{يَمْحُو الله مَا يَشَآءُ} أي: من جاء أجله يذهب به ويثبت من لم يجىء أجله إلى أجله.
وعن سعيد بن جبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: يمحو الله ما يشاء: من ذنوب العباد ويغفرها وثبت ما يشاء فلا يغفرها.
وقال عكرمة: ما يشاء من الذنوب بالتوبة، ويثبت بدل الذنوب حسنات، كما قال الله تعالى {فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}[الفرقان: ٧٠] وقيل غير ذلك.
قوله {وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب} أي: أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ الذي لايبدل ولا يغير، والأم: أصل الشيء، والعرب تسمي كل ما يجري مجرى الأصل للشيء أمَّا له، ومنه أم الرأس للدماغ، وأم القرى لمكة، وكد مدينة فهي أمّ لما حولها من القرى.
قال ابن عباس في رواية عكرمة: هما كتابان: كتاب سمي أم الكتاب يمحو ما يشاء منه ويثبت وأم الكتاب لا يغيرمنه شيء، وعلى هذا فالكتاب الذي يمحو منه ويثبت هو الكتاب الذي تكتبه الملائكة على الخلق.