الثالث: إذا كان الكفر حاصلاً بتخليق الله تعالى وميشئته، فيجب أن يكون الرضا به واجباً؛ لأن الرِّضا بقضاء الله واجب، وذلك لا يقوله عاقل.
الرابع: أنَّ مقدمة الآية، وهي قوله جل ذكره {لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور}[إبراهيم: ١] يدلُّ على العدل، وأيضاً مؤخر الآية يدلُّ عليه وهو قوله جلَّ ذكره {وَهُوَ العزيز الحكيم} فكيف يكون حكيماً من كان خالقاً للكفر والقبائح؛ فثبت بهذه الوجوه أنَّه لا يمكن جعل قوله:{فَيُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} دليل على خلق الكفر في العبد، فوجب المصير إلى التأويل وهو من وجوه:
الأول: المراد من الإضلال هو الحكم بكونه ضالاًّ كما يقال: فلانٌ يُكفِّرُ فُلاناً ويضله أي: يحكمُ بكونه كافر ضالاً.
والثاني: أنَّ الإضلال عبارة عن الذهاب بهم عن طريق الجنَّة إلى النَّار.
والثالث: أنَّه يقال: إنه تعالى لما ترك الضّال على ضلاله، ولم يتعرض له فكأنه أضله والمهتدي أنَّه بالألطاف صار كأنه هداه.
قال الزمخشري:«والمراد بالإضلال التخلية، ومنع الإلطاف وبالهداية: اللّطف، والتَّوفيق» .
قال ابن الخطيب رَحِمَهُ اللَّهُ:«والجواب قوله عزَّ وجلَّ {لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} لا يليق به أن يضلهم.
قلنا قال الفراء: إذا ذكر فعل، وبعده آخر، فإن كان الفعل الثَّاني مشاكلاً للأول نسقه عليه، وإن لم يكن مشاكله، استأنفه ورفعه، نظيره:
{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ ويأبى الله}[التوبة: ٣٢] وفي موضع رفع لا يجوز إلا ذلك؛ لأنَّه لا يحسن أن يقال: يريدون أن يأبى الله، فلما لم يكن وضع الثاني في موضع الأول بطل العطف.
ونظيره أيضاً قوله:{لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرحام}[الحج: ٥] ومن ذلك قولهم: «أردت أن أزُوركَ فمَنعَنِي المطرُ» بالرفع غير منسوق على ما قبله كما ذكرناه؛ ومثله قول الشاعر:[الرجز]