قال الزمخشريُّ:» أدخلت همزة الإنكار على الظرف؛ لأنَّ الكلام ليس في الشكِّ إنَّما هو في المشكوك فيه، وأنَّه لا يحتمل الشَّك لظهور الأدلَّة، وشهادته عليه «.
ويجوز أن تكون اللام معدية كقولك: «دعوتك لزيد» ، وقوله:«إذا تدعون إلى الإيمان» ، والتقدير: يدعوكم إلى غفران ذنوبكم.
لما استفهم بعمنى نفي ما اعتقدوه، أردفعه بالدلائل الدالة على وجود الصانع المختار، فقال:«فاطر السموات والأرض» : أي خالق السماوات والأرض «يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم» أي: ذنوبكم و «من» صلة، وقيل:«من» تبعيضية، وقيل: بمعنى البدل، أي: بدل عقوبة ذنوبكم كقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة}[التوبة: ٣٨] وسيأتي الكلام على هذه الوجوه.
{وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى حين استيفاء أجلكم، ولا يعالجكم بالعذاب، قال بعض العلماء: إن الفطرة شاهدة بوجود الصانع المختار قبل الوقوف على الدلائل، وذلك من وجوه:
الأول: قال بعضش العقلاء: إن من لطم وجه سبي لطمة، فتلك اللطمة تدل على وجود الصانع المختار، وعلى وجود التكليف، وعلى وجود دار الجزاء، وعلى وجود النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
أما دلالتهم على وجود الصانع؛ فإن الصبي العاقل إذا لطم يصيح ويقول من ذا الذي لطمني؟ وما ذاك إلا أن فطرته شاهدة بأن هذه اللطمة لما حدثت بعد عدمها موجب أن يكون حدوثها لأجل فعل فاعلها، فلما شهدت فطرته الأصلية بافتقار ذلك الحادث الحقير إلى الفاعل، فبأن تشهد جميع حوادث العالم بالافتقار إلى الفاعل أولى.
وأما دلالتها على وجود التكليف؛ فبأن الصبي يصيح ويقول: ضربني ذلك الضارب، وهذا يدل على أن فطرته شهدت بأن الأفعال الإنسانية داخلة تحت الأمر والنهي، ومندرجة تحت التكليف، وأن الإنسان ما خلق ليفعل ما اشتهى.
وأما دلالتها على وجود الجزاء فهو: أن ذلك الصبي يطلب بطبعة الجزاء على تلك اللَّطمة ولا يتركه، فلما شهدت فطرته الأصلية بوجوب الجزاء على ذلك العمل القليل، فبأن تشهد على وجوب الجزاء على جميع العباد والأعمال أولى.