للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحدها: قوله: {رَبِّ اجعل هذا البلد آمِناً} ، وتقدَّم تحريه في البقرة «وهذا البلد آمناً» ، ومسوِّل الجعل التَّصيير.

قال الزمخشري: «فإن قلت: فرق بين قوله: {اجعل هذا البلد آمِناً} وبين قوله {هذا بَلَداً آمِناً} [البقرة: ١٢٦] .

قلت: قد سأل في الأول أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها، ولا يخافون، في الثاني أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن كأنه قال: هو بلد مخوف فاجعله آمناً» .

قوله «واجْنُبْنِي» ، يقال: جنَّبهُ شرًّا، وأجْنَبهُ إيَّاه ثلاثياً، ورباعياً، وهي لغة نجد وجنَّبهُ إيَّاهُ مشدَّداً، وهي لغة الحجاز وهو المنعُ، وأصله من الجانب.

وقال الراغب: «قوله تعالى: {واجنبني وَبَنِيَّ} من جَنَبْتهُ عن كذا، أي: أبْعدتهُ منه، وقيل: من جَنَبْتُ الفرس، [كأنَّما] سألهُ أن يقُودَهُ عن جانبِ الشِّرك بألطافِ منهُ وأسبابٍ خفيَّة» .

و «أنْ نعبد» على حذف الحرف، أي: عن أن نَعْبُد.

وقرأ الجحدري وعيسى الثقفي رحمهما الله «وأجْنِبْنِي» بطقع الهمزة من «أجَنَبَ» .

قال بعضهم: يقال: جَنَبْتهُ الشَّيء، وأجْنَبْتُه تَجَنُّباً، وأجْنبتهُ إجْنَاباً، بمعنى واحد.

فإن قيل: ههنا إشكالٌ من وجوه:

أحدهما: أن إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه دعا ربَّه أن يجعل مكَّة بلداً آمناً وقد خرب جماعة الكعبة، وأغاروا على مكَّة.

وثانيها: أن الأنبياء عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ معصومون من عبادة الأصنام، فما فائدة هذا الدعاء.

وثالثها: أنَّ كثيراً من أبنائه عبدوا الأصنام؛ لأنَّ كفَّار قريش كانوا من أولاده وكانوا يعبدون الأصنام فأين الإجابة؟ .

فالجواب عن الأوَّل من وجهين:

الأول: أنه نقل عن إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ أنه لما فرغ من بناء الكعبة دعا بأن يجعل الله الكعبة، وتلك البلدة آمنة من الخراب.

والثاني: أنَّ المراد جعل أهلها آمنين، كقوله تعالى: {واسأل القرية} [يوسف: ٨٢] والمراد أهلها، وعلى هذا أكثر المفسرين، وعلى هذا التقدير، فالمراد بالأمن ما

<<  <  ج: ص:  >  >>