للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: إن إبراهيم صلوت الله وسلامه عليه إنَّما دعا بهذا الدُّعاء عندما أسكن هاجر وابنها إسماعيل في ذلك الوادي، وفي ذلك الوقت لم يكن ولد إسحاق فيكف قال: {الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} ؟ .

فالجواب: قال القاضي رَحِمَهُ اللَّهُ: «هذا الدَّليل يقتضي أن إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، إنَّما ذكر هذا الكلام في زمان آخر لا عقيب ما تقدَّم من الدعاء ويمكن إيضاً أنه صلوت الله وسلامه عليه إنَّما ذكر هذا [الدعاء] بعد كبر إسماعيل وظهرو إسحاق صلوات الله وسلامه عليهما وإن كان ظاهر الروايات بخلافه» .

فصل

المناسبة بين قوله {رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ فَي الأرض وَلَا فِي السمآء} وبين قوله {الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} ، وذلك أنه كان في قلبه أن يطلب من الله سبحانه وتعالى إعانتهما، وإعانة ذريتهما بعد موته، ولكنَّه لم يصرِّح بهذا المطلوب بل قال: {رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ} أي: تلعم ما في قلوبنا وضمائرنا، فقوله: {الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} يدلُّ ظاهراً على أنَّهما يبقيان بعد موته على سبيل الرمز والتعريض، وذلك يدلُّ على أن الاشتغال بالثناء عند الحاجة إلى الدعاء أفضل من الدعاء.

قال صلوات الله وسلامه عليه حاكياً عن ربِّه عَزَّ وَجَلَّ أنه قال: «مَنْ شَغلهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْألتِي أعْطَيتهُ أفْضَل ما أعْطِي السَّائلينَ» .

ثم قال: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدعآء} لما ذكر الدعاء على سبيل التعريض لا على وجه التصريح، قال: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدعآء} من قولك: «سَمِعَ الأميرُ كلامَ فلانٍ» إذا اعتدَّ بِهِ وقلبهُ، ومنه «سَمِعَ اللهُ لمَنْ حَمدَهُ» .

قوله: {لَسَمِيعُ الدعآء} فيه أوجه:

أحدهما: أن يكون «فَعِيل» مثال مبالغة مضافاً إلى مفعوله وإضافته من نصب، وهذا دليل سيبويه على أن «فعيلاً» يعمل عمل اسم الفاعل، ون كان قد خالفهُ جمهور البصريين والكوفيين.

الثاني: أنَّ الإضافة ليست من نصب، وإنَّما هو كقولك: «هذا ضَارِب ازيد أمس» .

الثالث: أن «سميعاً» مضاف لمرفوعه، ويجعل دعاء الله سميعاً على المجاز والمراد: سماع الله، قاله الزمخشريُّ.

قال أبو حيَّان: «وهو بعيد لاستلازمه أن يكون من الصفة المشبهة والصفة متعدية

<<  <  ج: ص:  >  >>