السجود على الملائكة؛ لأنه مذكمور بفاء التَّعقيب؛ وذلك يمنُ التَّراخي.
قوله «أجْمَعُونَ» تأكيد ثانٍ، ولا يفيد الاجتماع في الوقت؛ خلافاً لبعضهم.
وقال سيبويه: قوله: {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}«توكيدٌ بعد توكيدٍ» . وسئل المبرد عن هذه الآية فقال: لو قال: فَسجَدَ الملائِكَةُ «احتمل أن يكون سجد بعضهم فلما قال: كُلُّهم زال هذا الاحتمال، فظهر أنهم بأسرهم سجدوا، ثم بعد هذا بقي احتمال وهو أنَّهم: هل سجدوا دفعة واحدة؟ أو سجد كل واحدٍ في وقت؟ . فلما قال: أجْمَعُون ظهر أن الكلَّ سجدوا دفعةً واحدةً. ولما حكى الزجاج هل القول، عن المبرد، قاتل:» وقول الخليل، وسيبويه أجودُ؛ لأن «أجْمَعِينَ» معرفةٌ؛ فلا يكون حالاً «.
قال أبو البقاء:» لكان حالاً لا توكيداً «. يعنى أنَّه يفيد إفادة الحال مع أنه توكيدٌ؛ وفيه نظر؛ إذ لا منافاة بينهما بالنسبة إلى المعنى، ألا ترى أنه يجوز:» جاؤوني جَمِيعاً «مع إفادته، وقد تقدم تحريرُ هذا [البقرة: ٣٨] ، وحكاية ثعلب مع ابن قادم.
قوله:{إِلَاّ إِبْلِيسَ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} تقدَّم الكلام على هذا الاستثناء في البقرة.
قال القرطبيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:» الاستثناء من الجنس غير الجنس صحيح عند الشافعي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، حتَّى ولو قال له: عليَّ دينارٌ إلا ثوباً، أو عَشْرة أثْوابٍ، إلَاّ قفيز حِنظَةٍ، وما جانس ذلك يكون مقبُولاً، ويسقط عنه من المبلغ قيمة الثوبِ، والحِنْطةِ ويستوي في ذلك: المكِيلات، والمَوزونَات، والمُقدَّرات «.
وقال مالكٌ، وأبو حنيفة رضي الهل عنهما: استثناء المكيل من الموزون، والموزون من المكيل جائزٌ؛ حتى لو ساتثنى الدَّراهم من الحنطةِ، والحنطة من الدراهم، قُبِلَ، أمَّا إذا استثنى المقوَّماتِ من المكيلاتِ، أو الموزوناتِ، والمكيلاتِ من المقوماتِ؛ فلا يصحُّ؛ مثمل أن يقول: له عشرة دنانير إلَاّ ثوباً، أو عشرة أثواب إلَاّ ديناراً، فيلزم المقرُّ جميع المبلغ.
قوله تعالى:{أبى أَن يَكُونَ} ، استئنافٌ؛ وتقديره: أنَّ قائلاً قال: هلَاّ سجد؟ فقيل: أبي ذلك، واستكبر عنه.
قوله تعالى:{قَالَ ياإبليس مَا لَكَ أَلَاّ تَكُونَ مَعَ الساجدين قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} قال بعض المتكلمين: إنه تعالى أوصل هذا الخطاب إلى إبليس، على لسان بعض رسله؛ وهذا ضعيف؛ لأنَّ إبليس قال في الجواب:{لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ} ، فقوله:» خَلَقْتهُ «خطاب الحضورِ، لا خطاب الغيبة؛ فظاهره يقتضي أنَّ الله تعالى تكلم مع إبليس بعغير واسطة.