لما قبلها؛ لأنَّ فعل التقدير قد يعلق إجراء له مجرى العلم إمَّا لكونه بمعناه، وإمَّا لأنه مترتب عليه.
قال الزمخشري:«فإن قلت: لم جاز تعليق فعل التقدير في قوله: {قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} ، والتعليق من خصائص أفعال القلوب؟ قلت: لتضمن فعل التقدير معنى العلم» .
قال أبو حيَّان رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى «وكسرت» إِنَّها «إجراء لفعل التقدير مجرى العلم» .
وهذا لا يصحُّ علة لكسرها، إنَّما يصحُّ علةً لتعليقها الفعل قبلها.
فصل
معنى التقدير في اللغة: جعل الشيء على مقدار غيره، يقال: قدر هذا الشيثء بهذا، أي: اجعله على مقداره، وقدَّر الله سبحانه الأقوات، أي: جعلها على مقدار الكفاية، ثمَّ يفسر التقدير بالقضاء فيقال: قضى الله عليه، وقَدرَ عليه، أي: جعله على مقدار ما يكفي في الخير، والشر. وقيل: معنى: «قَدَّرْنَا» كتبنا. وقال الزجاج: دبرنا. فإن [قيل] لم أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم مع أنه لله عزَّ وجلَّ؟
فالجواب: إنَّما ذكروا هذه العبارة لما لهم من القرب والاختصاص بالله، كما يقول خاصة الملك: دبرنا كذا [وأمرنا بكذا] ، والمدبر، والآمر هو الملك لا هم، وإنَّما يريدون بهذا الكلام إظهار ما لهم من الاختصاص بذلك الملك، فكذا هنا.
قوله تعالى:{إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} في موضع مفعول، التقدير: قضينا أنها تتخلف، وتبقى مع من يبقى حتَّى يهلك، فتلحق بالهالكين.
قوله تعالى:{فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ المرسلون} القصة لما بشروا إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه بالولد، وأخبروه بأنهم مرسلون بالعذاب إلى قوم مجرمين ذهبوا بعد ذلك إلى لوط عليه السلام، وإلى آله، وإنَّ لوطاً، وقومه ما عرفوا أنهم ملائكة لله.
فقالوا:{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} ؛ لأنهم لما هجموا عليه؛ استنكرهم، وخاف من دخولهم لأجل شر يوصلونه إليه.
وقيل: خاف؛ لأنهم كانوا شبايا مرداً حسان الوجوه، فخاف أن يهجم قومه عليهم لطلبهم، فقال هذه الكلمة.
وقيل: إنَّ النكرة ضدّ المعرفة، فقوله:{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} ، أي: لا أعرفكم، وأعرف أنكم من أي الأقوام، ولأي غرض دخلتم عليّ، فقال:{قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} .