ثم قال تعالى:{وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} ، أي لا تبال عنهم، ولا تلتفت إلى لومهم إيَّاك على إظهار الدَّعوة.
قال بعضهم: هذا منسوخٌ بآية القتال، وهو ضعيف؛ لأنَّ معنى هذا الإعراض ترك المبالاة، فلا يكون منسوخاً.
قوله:{إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين} يقول الله لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} ، ولا تخف أحداً غير الله، فإن الله كافيك ِأعداءك كما كفاك المستهزيئن، وهم خمسة نفرٍ من رؤساء قريش: الوليد بن المغيرة المخزوميُّ، وكان رأسهم، والعاص بن وائلٍ [السهمي] ، والأسود بن عبد المطلب بن الحارث بن أسد بن عبد العزى أبو زمعة، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد دعا عليه، فقال:«اللَّهُمَّ أعْمِ بصَرهُ، وأثْكلهُ بِولَدهِ» ، والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد منافٍ بن زهرة، والحررث بن قيس بن الطلالة؛ فأتى جبريل محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمستهزءون يطوفون بالبيت، فقام جبريل صلوات الله وسلامه عليه وقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى جنبه، فمرّ به الوليد بن المغعيرة، فقال جبريل عليه السلام: يا محمد: كيف تجدُ هذا؟ قال:«بئس عبد الله» قال: قد كَفَيْتُكَه، وأؤْمَأ إلى ساق الوليد، فمرَّ برجلِ من خزاعة نبَّال يَرِيشُ نَبْلاً، وعليه برد يمان، وهو يهز إزاره، فتعلَّقت شظية نبلٍ بإزاره، فمنعه الكبرُ أن يتطامن، فينزعها، وجعلت تضربُ ساقه؛ فخدشته فمرض منها حتَّى مات. ومرَّ به العاس بن وائلٍ، فقال جبريلُ: كيف تجد هذا يا محمد؟ قال: بِئْسَ عبد الله، فأشار جبريل عليه السلام إلى أخْمَصِ رجليه، وقال: قد كفيتكه، فخرج على راحلته، ومعه ابنان له يتنزَّه؛ فنزل شِعْباً من تلك الشِّعاب، فوطىء على شبرقة، فدخلت شوكة في أخمص رجله، فقال: لُدِغْتُ لُدِغْتُ؛ فطلبوا، فلم يجدوا شيئاً، وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير، فمات مكانه.
ومرّ به مربد بن الأسود بن المطلب، فقال جبريل: كيف تجدُ هذا يا محمَّد؟ قال:«عَبْدُ سوءٍ» ، فأشار بيده إلى عينيه، وقال: قد كَفَيْتُكَهُ، فعمي.
قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: رماه جبريل بورقةٍ خضراء؛ فذهب بصره، ووجعت عينه، فجعل يضرب برأسه الجدار حتَّى هلك، ومرَّ به الأسود بن عبد يغوث، فقال جبريل عليه السلام: كَيْفَ تَجِدُ هذا يا محمد؟ قال: بئس عبد الله على أنه [ابن] خالي، فقال جبريل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: قد كفيتكه فأشار إلى بطنه فاستسقى فمات، ومرَّ به الحارث بن قيسٍ، فقال جبريل عليه السلام كيف تجد هذا يا محمَّد؟ صلوات الله وسلامه عليك، قال: عَبدُ سُوءٍ فأومأ، فامتخط قيحاً؛ فمات.
قيل: استهزاؤهم، وااقتسامهم أنَّ الله تعالى لمّا أنزل في القرآنِ سورة البقرةِ،