وأما الخبر، فقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «مَا منَّأ إلَاّ وقدْ عصى أو هَمَّ بِمعْصِيةٍ غير يَحْيَى بن زكريَّا» .
ونعلم بالضرورة أن المبرَّأ عن المعصية، ومن لم يهمَّ بها أفضل ممَّن عصى، أو همَّ بها.
الثالث: أنَّ الله - تعالى - خلق الملائكة - عليهم الصلاة والسلام - قبل البشر بأدوار متطاولة، وأزمان ممتدة، ثم إنه - تعالى - وصفهم بالطاعة، والخضوع، والخشوع طول هذه المدَّة، وطول العمر مع الطاعة يوجب مزيد الفضيلة لوجهين:
الأول: قوله - صلوات الله وسلامه عليه -: «الشَّيخ في قَومِه كالنَّبيِّ في أمَّتهِ» فضَّل الشيخ على الشابّ؛ وما ذاك إلَاّ لأنَّه لما كان عمره أطول، فالظاهر أنَّ طاعته أكثر؛ فكان أفضل.
والثاني: قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «مَنْ سَنَّ سُنَّة حَسنةً فلهُ أجْرهَا وأجْرُ من عَملَ بها إلى يَوْمِ القِيامَةِ» فلما كان شروع الملائكة في الطاعات قبل شروع البشر فيها، لزم أن يقال: إنهم هم الذين سنُّوا هذه السنة، وهي طاعة الخالق، والبشر إنما جاءوا بعدهم، واستنُّوا بسُنَّتهِم؛ فوجب بمقتضى هذا الخبر أن كلَّ ما حصل للبشر من الثواب،